[البرواز و الصورة]

د . محمد القويز

مشكلة الإرهاب الديني قديمة جداً تستعر و تخبو بين حين و آخر . و لم تسلم منها ملة و لا أيديولوجية و لكن تجذرها في الإسلام يستدعي مراجعة شاملة . الجوامع و المناهج و كثير من المسلمات التي يتناقلها المتحمسون تتنافى مع مبادئ الإسلام . و لقد حاجج أجداد خوارج اليوم الخليفة الرابع علياً رضي الله عنه و لم يستطع إقناعهم بقرآن و لا حديث رغم أنه أكثر منهم فهماً لدين الله ، فقتلوا علياً ابتغاء مرضاة الله ! كل هذا و لما يتأصل فقه الخوارج بعد أو عدم فقههم كما تأصل فيما بعد ، و قد بلغ ذروته هذه الأيام فيما يمكن أن نسميه أكاديميات الخوارج في بؤر ومواقع لهم في السعودية و خارجها . فكثير من عرابيي التكفير و منظريهم و مفتيهم معروفون بأسمائهم و مساجدهم و لهم مرتادون يتجرعون منهم التكفير . و لقد أدركنا منذ منتصف الثمانينات الميلادية من القرن الفائت أننا متجهون إلى حقبة خوارجية سوف تأكل الأخضر و اليابس . ففي كل جمعة كنا نسمع ما ننكر من الخطباء من سيئ الدعاء مما لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم صار يدنو شيئاً فشيئاً . فكل من كان له رأي مخالف صنف علمانياً أو ليبرالياً أو زنديقاً أو عميلاً ثم يصب عليه دعاء الخطباء و"الدعاة" ويهددون بجز الرؤوس , يضاف إلى ذلك الدعاء على من ينعتونهم بالروافض . و لأنني كرهت أدعية الخطباء فقد كنت أغير المساجد في كل جمعة و أحياناً أغير المسجد لكي أقيم الخطبة فأجد الأمر في العموم سيئاً أقله أن يدعو بالنصر و التمكين للخوارج على أنهم مجاهدون . ثم تفاقمت الأمور و تم سجن الكثير من الأحداث بتهمة الإرهاب ثم قيل لنا عن نجاح برامج المناصحة فإذا منهم من ينتكس من جديد في قضايا قتل و تفجير . و لن أستغرب فشل المناصحة مع بعضهم لأن مناصحة بعض سجناء المخدرات - مثلاً - جعلت بعضهم يترك المخدرات و يتجه إلى الإرهاب . و هناك أمثلة لشباب سجنوا في قضايا مخدرات ثم أفرج عنهم فإذا بهم يتجهون إلى الإرهاب دعماً و ممارسة . سمعنا عن آية السيف التي يدعون بهتاناً أنها نسخت الآيات التي سبقتها و رأيناهم يسوقون أنصاف الآيات أو آيات اجتزئت من موضوعها لتبرير الجرائم التي يقترفونها باسم الإسلام . أو يسوقون أحاديث أو يستشهدون بآراء فقهاء أو كتابات معاصرين و يحاجون بها غير آبهين بالتفريق بين حالة الحرب و السلم . و متناسين وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لجيش أسامة الذي جهزه لحرب الروم و توفي عليه الصلاة و السلام قبل أن يتحرك الجيش مما يعني أنه لم يأتِ بعدها ماينسخها يقول لا تقتلوا صبياً و لا امرأة و لا شيخاً كبيراً و لا مريضاً و لا راهباً و لا تقطعوا مُثمراً و لا تخربوا عامراً و لا تذبحوا بعيراً و لا بقرة إلا لمأكل و لا تغرقوا نحلاً و لا تحرقوه . و عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ : "اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَ لَا تَغُلُّوا وَ لَا تُمَثِّلُوا وَ لَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَ لَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ". و مثله فعل أبو بكر وعلي رضي الله عنهما في وصاياهما لجيوشهما . و هذا يناقض كلّ ما استند إليه دعاة الغلو و التكفير و القتل و التمثيل في تبرير سيئ فعلهم . بل ينسف مايشاع عن آيات أو أحاديث ناسخة للآيات التي تؤصل لأخلاق المقاتل المسلم .

* نقلا عن "الرياض"