
جمال خاشقجي
لو انتصر فيصل الدويش و سلطان بن بجاد و ضيدان بن حثلين و من خلفهم بضعة  آلاف من «الإخوان» المتعصبين على مؤسس المملكة العربية السعودية الملك  عبدالعزيز آل سعود في معركة السبلة عام 1929 لكانت لدينا «داعش» مبكرة  و لكن ما كان لها أن تعمر مثلما عمرت و ازدهرت الدولة السعودية الحالية ، فمثل  هذه الحركات المنغلقة و المتعصبة تحمل بذور فنائها في داخلها . استحضرت  هذه القصة واختصرتها بينما كنت أتأمل وجه الملك عبدالله الغاضب مساء  الجمعة قبل الماضية و هو يتحدث بلهجة غير مسبوقة إلى علماء الدين و يعاتبهم  بقسوة أنهم لم ينشطوا في الدفاع عن الدين و هو يعتدى عليه في مقتل من  «داعش» والتطرف . قبل نحو 80 عاماً وفي مواجهة «الإخوان» (وهم غير الإخوان  المسلمين المغضوب عليهم هذه الأيام) استخدم والده الصبر و العلماء و أخيراً  الحرب . لم يقدم على مواجهتهم و حسم الصراع معهم باستخدام القوة إلا بعد أكثر  من مؤتمر جمعهم فيه مع علماء الدين في حوار مفتوح بمؤتمر عام عرض قادة  «الإخوان» تحفظاتهم على كبار علماء نجد و الملك العائد من الحجاز بعد ضمه  إلى الدولة الناشئة يجلس مستمعاً كأنه في مجلس قضاء ، خطب فيهم مؤكداً  تمسكه بالشريعة و أنه لم يغيّر أو يبدل و لكنه لم يجادلهم و إنما ترك الأمر  للعلماء . كانت قضاياهم تشبه قضايا «داعش» اليوم كانوا ضد العصرنة في صورها  المادية و المعنوية ، ضد المخترعات الحديثة ، و ضد التحديث في شكل الأنظمة  و الرسوم الجمركية والعلاقات الدولية التي لا يستطيع بلد أن يستقر من دونها .  قام العلماء بالرد ، و ردوا بعضاً من احتجاجات «الإخوان» و توقفوا عند أمور ،  و حكموا لهم في أمور أخرى استجاب لها الملك ، و لكنهم أسسوا لقاعدة مهمة في  العلاقة بين العلماء و السلطان و استمرت هذه القاعدة إلى اليوم ، و هي أن  الإمام يرى المصلحة في مسائل لا يراها غيره بحكم ولايته السياسية و حتى لو  تعارضت مع رأي العلماء فإنه لا يجوز شق عصا الطاعة عليه ، و هي بالطبع  المسائل الخلافية إذ «لا كفر بواح» فيها و تجلى ذلك في حكمهم بخصوص  «المكوس» (الرسوم الجمركية) «فأفتينا الإمام بأنها من المحرمات الظاهرة ،  فإن تركها فهو الواجب عليه ، و إن امتنع فلا يجوز شق عصا المسلمين و الخروج  عن طاعته من أجلها» هكذا أفتى كبار العلماء يومها في ذلك المحفل المهيب .  هذه القاعدة أسست للعلاقة العملية بين دولة تريد أن تشق طريقها نحو العصرنة  و بين ثقافة صارمة تستند إلى فقه أهل الحديث والظاهر لا فقه الرأي الذي  سهّل مهمة بلاد إسلامية أخرى . فهل تكون هذه القضية القديمة  الجديدة هي ما أغضب الملك عبدالله و التي يمكن اختصارها بضرورة فتح باب  للاجتهاد و معه باب آخر للتسامح والقبول بالتعددية ؟ و لكن حديث الملك للعلماء  كان مرتبطاً بالإرهاب و خشيته على الدين من غلو الغلاة . الحق أن العلماء  لم يقصّروا في وصف «القاعدة» كلما استشرى شرها في السعودية بأنهم خوارج -  تكره «القاعدة» و السلفية الجهادية هذا الوصف وتتبرأ منه في رسائلها ،  و الباحث الدقيق يجد أن هناك اختلافاً كبيراً بينهم وبين الخوارج خصوصاً في  مسائل العقيدة و الفقه ، و أنهم أقرب إلى «السلفية الخام» التي عاشها وفهمها  «الإخوان» زمن ما قبل السبلة - وهي السلفية التي داواها الملك عبدالعزيز  بفتوى واجتهاد العلماء وحزم السلطان . علماء اليوم أنكروا  غير مرة على غلاة زماننا الخروج على ولي الأمر واستباحة الدماء فما الذي  لم ينكروه عليهم و يريدهم العاهل السعودي أن ينشطوا في تفنيده والرد عليهم  مثلما فعل أسلافهم عام 1927 في ذلك المؤتمر الكبير بالرياض ؟ لعلنا  نحتاج إلى رسم خريطة لفقه «داعش» و رؤيتها العقائدية فهي ما يحتاج إلى  تفنيد و تفكيك ، فهم يقاتلوننا بناء على تلك العقيدة ، و أقترح لذلك 3 رسائل  تعبّر عن مراحل ثلاث في تشكّل «السلفية الجهادية» المعاصرة ، أولها «رفع  الالتباس عن ملة من جعله الله إماماً للناس» و يقصد به نبي الله إبراهيم  لجهيمان بن محمد العتيبي الذي نحصر معرفته و أخباره فقط في حادثة اقتحام  الحرم المشؤومة التي قادها عام 1980 وحان الوقت أن نعيد اكتشافه ونربط  حياته و«دعوته» التي استمرت 15 عاماً قبيل حادثة الحرم بما سبقها و تبعها ،  فلقد غرس نبتة شيطانية لا تزال تثمر و كان الفضل في إحيائها من جديد لعاصم  البرقاوي الشهير بأبي محمد المقدسي الذي عاش شاباً يافعاً في المدينة  المنورة في فترة جهيمان نفسها و قريباً من أجوائه فألّف كتابه الشهير «ملة  إبراهيم» الذي بات مرجعاً للتيار السلفي المتشدد و يكاد أن يكون تطويراً  لكتاب جهيمان «رفع الالتباس» ، أما الرسالة الأخيرة فهي «معالم الطائفة  المنصورة في بلاد الرافدين» لمؤلف مجهول هو أبوالفضل العراقي و هذه الرسالة  و إن سبقت «داعش» المعاصرة فإنها تفسّر سياسة «داعش» في التكفير و القتل  و استباحة دماء الشيعي و العلماني و الليبرالي و من يؤمن بالديموقراطية  و يمارسها ، و من يقبل بالأحكام الوضعية ويحكم بها ، و تكفّر الأحزاب الوطنية  و القومية و البعثية و الاشتراكية ، و تقرر بدعية الجماعات الإسلامية التي تقبل  بالانتخابات و أنهم براء منها و أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة مع كل برّ  و فاجر و بإمام و من دون إمام ، و تكفّر الحاكم بغير ما أنزل الله أو بدّل في  أحكامه و أن الخروج عليه بالسلاح واجب ، و كذلك كفر من ظاهر (تعاون مع)  المشركين بأي شكل من الأشكال إلى نهاية قائمة طويلة من الأحكام الصارمة من  دون اجتهاد أو تسامح و تغليب مصالح فتكون النتيجة ما يعيشه وسط العراق  اليوم وبعض من سورية ، و كذلك ما يعيشه عقل شاب مسلم يتخبط بين عالم يتردد في  الخوض في هذه المسائل و داعية صريح يخاطبه بـ : قال الله و قال الرسول و أقوال  علماء السلف السابقين واللاحقين .. و الصامتين . 
 تعليق : أتفق مع الكاتب ان الرد الفكري جزء مهم من محاربة التخلف و جزء مهم من اصلاح الفكر و الخطاب الديني المتخلف الذي انتج لنا هولاء الهمج اشباه البشر الذين هم اشد اعداء الدين الذي يزعمون زورا" و بهتانا" انهم يحموه . الكتب الثلاثة التي ذكرت هي الاساس الذي يبني عليه هولاء المجرمين افكارهم و معتقداتهم , و لذلك يجب تفنيد ما تحوي من غلو و تشويه لسماحة الاسلام و اختطافه من قبل هولاء الرعاع .