العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الثقافي
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-09-2015 , 04:52 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,363
أخر زيارة : 19-12-2024 03:30 PM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon375 سحر الغرب لماذا أربك السياح ؟!



فهد بن سليمان الشقيران

تعبر التشكيلات الاجتماعية باستمرار لحظة حركتها عن مكنوناتها إذ تبث الدلالات المباشرة و الرمزية بكل ما تحملها من ميزٍ و أعراض فاقعة لأمراض مستعصية ، و يكون التعبير جليا" حين تتاح المساحات للحركة و النشاط ضمن بيئة حرة الأصل بالإنسان فيها البراءة الأصلية . تحديات الحرية و المسؤولية جعلت جمعًا من السياح يحرصون سنويًا على التمتع بالقارة الأوروبية بجمالها الباهر و بمناخها الليبرالي و الذي يتنفسه هؤلاء من دون إدراك ماهيته . إنهم يشعرون بمناخٍ منعش ، و حرية كالهواء النقي ، و قانون ضابط للكل ، مع مؤسساتٍ حية لكنهم يخافون من إدراك أن هذه المناخات نتاج جهود اجتماعية و فلسفية و قانونية نضجت على مدى أربعة قرونٍ بأوروبا بعد تجارب الدم من حروبٍ أهلية دينية طاحنة دامية ، تلك كانت الحالة الطبيعية قبل أن تتفتق عبقريات فلاسفتها بالانتقال التدريجي لـ«الحالة المدنية». إن القصص التي يتداولها الإعلام حول الفوضى و الرثاثة و الدمامة في المنظر لبعض السياح العرب في تلك البلدان كثيرة ، من انتهاك لحق الحيوان بذبحه ، و حق الإنسان بإزعاجه ، و حقوق الطبيعة من العدوان على الشجر و الحجر ، و كل تلك التصرفات توضح مستوى اضطراب العلاقة بين الإنسان و محيطه ، بل تعبر بامتياز عن اضطراب في شبكة العلاقات بين الإنسان و المدنية و الدولة . فالمدنية هي مستوى تعاقدي ينضبط إيقاعه ضمن وعي الفرد بالعلاقات و حدودها و طبيعتها بين (الذات - المدينة - الدولة) و هذا التضابط الصارم في الدول الأوروبية أساسه المتين النجاح الاستثنائي في تحقيق صيغ «العقد الاجتماعي» ذلك المفهوم الساكن في كل تفاصيل الحياة و مساراتها ، و هو المانع و الحائل ضد إمكانيات التداخل و التضارب بين المؤسسات و المصالح ، إذ يمنح المفهوم التعاقدي للمدينة حيويتها ذلك أنه أسلوب تأليف بين المختلفات ، و من مهامه الأساسية التأليف بين «الحرية و الحماية» بين الحقوق الفردية و مصالح المجتمع . و الحالة التعاقدية علاوة على تغييبها في الوعي العربي فإنها مستعصية ذلك أنها لا تتأسس إلا ضمن المجتمع بمفهومه العميق ، و ثمة فرق بين المجتمع المتكون و التجمع الاعتباطي ، كما أن الاعتياد على الرقابة السلطوية و العيش ضمن مناخٍ يجلد فيه الإنسان من شتى السلطات بما فيها سلطة المجتمع ، يحول الحرية العادية الطبيعية الأصلية المتاحة إلى موضوعٍ يغري على الانتهاك من قبل الرعاع ، فكل الحقوق لديهم مستباحة و كل البلدان يمكن انتقاص مدنيتها بسبب الجهل المطلق بالمعنى التعاقدي الذي يسير تلك المجتمعات بكل فصوله و أبوابه و قرون تشكله . إن أي غياب للمعاني التعاقدية في أي مجتمع يؤدي بالضرورة إلى تضاعف السلطات الموازية . إن الإجراء التعاقدي الذي يتمتع به الفرد بالمجتمعات الحديثة له بعده القانوني إذ يرتبط بتحقيق مستويات العدالة ، و الليبرالية كلها بمفهومها النهائي هي إجراء لتحديد و ضبط مستويات الاختيار ضمن شبكة علاقات الفرد و مساحات التحرك لا لغرضٍ عاطفي أو ديني أو آيديولوجي بل لموضوع يوازن بين مصلحة الفرد و «جسم المجتمع», و مناخ الليبرالية الحر هو ميدان لتحقيق و تنمية قدرة الفرد على تحمل مسؤوليته تجاه الأفراد الآخرين ليكون لجم النزعات الشريرة أو البرية هدفًا مدنيًا ، لتصل المدنية بمستوى التعاقد إلى حد تقلص ضرورة حضور علامات السلطة كالأجهزة الأمنية أو التداخلات الاجتماعية . كل تلك الصيغ الحيوية تعيش تحديًا يوميًا بغية الاستمرار في تشجيع و تأهيل المناخ الليبرالي الضامن لإيجاد حياة تسير من دون أن يخدش تعدد الاختيارات حق إنسان و من دون غياب المساواة القانونية التي تجعل من المناخ الليبرالي بما يضمنه من حرية الفرد المطلقة ضمن القانون أكثر تحديًا من المناخ السلطوي . و ربما أمكن القول ببساطة : إن المناخ الحر يدرب على المسؤولية و المناخ السلطوي يدرب على الاستهتار بالحرية و بالمسؤولية معًا ، و يسبب القهر الاجتماعي حالة من الانفلات الشخصي و العدوان على القانون و الاضطراب تجاه مفهوم الدولة و الرعب من الوعي الذاتي بشبكة العلاقات المحيطة على مستوى المدنية و الآخر و القانون و الدولة . توضح المأسي المعيشة في المنطقة على كل المستويات حال الفقر المفاهيمي تجاه الأسس التي تحرك الواقع ، و لعل الضياع المطلق و التيه التاريخي ، و الفوضى الثورية العربية أكبر دليل على غياب الرؤية التي نريدها لكي نعيش . لا يمكن أن يؤسس أي مجتمع ضمن مناخ عصري طبيعي في ظل غياب الفهم القانوني و الفكري لمستوى العلاقات بين كل الموجودات في المجتمع ، إن الحالة التعاقدية عبارة عن موازنة للحقوق ، إنها مسافة تعبر عن سمو الفرد حين يلتزم بتعاقد مدني يوازن بين الهبات و التنازلات . و باستعادة المؤسس الرئيسي لهذا الفتح الإنساني المبين «جان جاك روسو» في «العقد الاجتماعي» نعثر على شرح لا بد من فهمه و تمثله حين يكتب : «الميثاق الاجتماعي ينطلق من مجرد افتراض لا من مرحلة تاريخية معينة ، و هو أن البشر في وقت ما أصبحوا غير قادرين على متابعة حياتهم في الحالة الطبيعية .. إن كل من رفض طاعة الإرادة العامة يرغم عليها من طرف الجسم بأكمله ، و ذلك لا يعني سوى أنه يجبر على أن يكون حرًا لأن ذلك هو الشرط الذي يهبه كل مواطن لنفسه لوطنٍ يضمن له أن يتخلص من كل نوعٍ من التبعية الشخصية .. إن الانتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية يحدث في الإنسان تغيرًا بارزًا جدًا يجعل العدالة تحل في تصرفه محل الغريزة ، و يضفي عليه الطابع الأخلاقي الذي كان ينقصه سابقًا . و على الرغم من أنه بهذه الحالة يحرم نفسه من عدد من الفوائد التي يستمدها من الطبيعة فإنه يربح مقابلها فوائد أخرى أكبر ، إذ تتمترس قواه ، و تنمو و تتسع أفكاره ، و تزداد عواطفه نبلاً ، و ترتفع روحه كلها إلى درجة من السمو». المعنى التعاقدي يتضمن تنازلات و ذلك لظروف تعدد الخيارات و توزع الرغبات و تنامي الحاجات ، كل تلك الأمور هي المحتمة لتطلع الإنسان للحالة المدنية ذات الطابع التعاقدي و الذي تبدو فيه الذات و الشخصية و الفردانية مركزية لكن ضمن طيف لا يغيب ، صورته المسؤولية ، و جذوته القانون ، و نتائج الإخلال به و بمعناه العقوبة الرادعة التي تخلص مجموع الجسم من تلوث بعضه ممثلاً بخطأ «الفرد» و التأديب القانوني هو ما يعيد تأهيل «الشخصية». من الصعب إخفاء تلك الممارسات الدميمة التي قام بها بعض السياح العرب من دون تجديد الوعي بالعلاقات حين نتعلم أن الوجود الاجتماعي و القانوني مصدره الحق و ليس القوة ، و أن الحرية هي ذروة السمو بتحمل الفرد لأعباء الذات حينها تكون الحرية معدنا" ثمينا" تحرسه المسؤولية . حين نتعامل مع الليبرالية بوصفها حيوية مدنية دنيوية ندرك مستوى صقلها للفرد و اختبارها للقانون . إن رمزية ذبح «بطة» سرقها سائح عربي من حديقة هي ذاتها آلية الذبح الموجودة لدى «داعش» و سواها ، هذا التلاقي غير الواعي أساس التعبير الصارخ لغياب الوجود المدني الذي يعتبر الحق قبل القوة ، و الحرية قبل السلطة ، و المسؤولية القانونية بمناخ حر هي ذروة الإنسانية ، مسافات لا يحتملها إلا البدء بتأسيس مفاهيم حيوية تطور التجمع ليصل إلى مستوى المجتمع ، و تعود الإنسان على معنى أن تكون حرًا و هي مسافات من الواضح أن استيعابها يحتاج إلى قرون . روسو في كتابه «هواجس المتنزه المنفرد بنفسه» كتب : «إن الحرية شبيهة بتلك الأغذية القوية الدسمة التي تصلح لتغذية البنيات القوية التي اعتادت تناولها ، و لكنها ترهق الضعفاء النحاف الذين لا قبل لهم بها و لا يقوون على احتمالها».

تعليق : مقال عميق و استيعابه ينقلنا من التخلف و الجهل إلى سموء الحضارة و رفعتها الإنسانية و رقيها . شكرا" للكاتب على هذا الفكر النير و المجهود المتميز . عمرك ماراح تقراء شي مماثل في ادبيات ما يسمى بالاسلام السياسي مما يدل على استغلالهم للدين بسطحية و سذاجة للوصول للسلطة باسم الدين لان الاسلام الصحيح هوا قمة الإنسانية . انصح بقراءاته أكثر من مرة لاهمية الفكرة و لان المقال فلسفي و محتاج قراءاته أكثر من مرة للمتعة الفكرية و لاستيعابه .

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 148 ( الأعضاء 0 والزوار 148)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا العرب لا يتعظون من تجارب غيرهم ؟ البرواز و الصورة المنتدى العام 0 22-06-2018 10:12 PM
لماذا تقدم الغرب و تخلفنا ؟ البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 20-09-2016 01:48 AM
العرب في مناهج إيران التعليمية البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 11-07-2016 04:11 AM
الأهوازيون تضطهدهم إيران ويهملهم العرب البرواز و الصورة المنتدى العام 2 26-02-2014 01:55 PM
إيران والشيعة العرب البرواز و الصورة المنتدى العام 0 28-03-2013 07:01 AM


الساعة الآن 02:47 PM