علي سعد الموسى
قلت لزميلي القبطي : إن في مخاوفه وهواجسه أشياء من المبالغة أجابني على الفور : كيف يذهب أطفالي إلى مدرسة في صباح السبت بين أقران يستمعون إلى خطيب ذات المدرسة وفي مسجدها وهو يلعن كل الديانات ويدعو عليها بالويل والثبور والهلاك ؟
والقصة تبدأ قبل أكثر من شهر حينما استدعيت على عجل استشاري التخدير في أحد المستشفيات الخاصة لشعور (زوجتي) بمضاعفات حادة بعيد عملية جراحية . جلست معه وحدنا في الهزيع الأخير من المساء في صالون الجناح الطبي وبالطبع نهرب من تشخيص حالة المريض العزيز إلى تشخيص معالم الثورة مع الأثير الآخر في شخص هذا (التكنوقراط) المصري المثقف بامتياز . ومن خيالات الحديث معه أنه كان يجاريني في حوار طويل ، ومن الخوف والوجل أنه أيضاً على السطح الظاهر يشيد بخراج الثورة المصرية ويتحمس بانفعال مصطنع إلى نتائجها قبل أن يطمئن إلى محدثه ثم يطلق المفاجأة : أنا قبطي مسيحي لا أستطيع أن أبوح عن معالم هويتي في هذه الظروف المضطربة . تحدث بعدها إلي بكل الحرقة والألم عن الصراع الشخصي والعائلي أيضاً لإخفاء معالم الهوية في العيادة والمشفى والدكان وأيضاً بين الجيران وكل مسابر الحياة الاجتماعية الخاصة.
تذكرت على الفور هذه القصص الشخصية لمعاناة البعض مع الهوية : تذكرت زميل البعثة الدراسية القديم حين قابلته ذات يوم في الغالية (الرياض) وهو يسرد لي قصة تدريبه لأولاده على إخفاء معالم الهوية كمسيحي قبطي حين يذهبون للمدرسة العامة في مدارس جامعة الملك سعود ، وكيف تكون (الهوية) لا مسبة ونقيصة فحسب بل أيضاً ظلماً فاضحاً واضحاً في كشوف الدرجات. تذكرت حديثه وهو يسرد لي كيف تمكن من طمس معالم الهوية تماماً كي يتمكن أطفاله من الدراسة في أرقى مدارس الرياض العامة ، وبالطبع على الفور تذكرت كيف يستطيع على الأقل ربع سكان هذه المدينة من كل حدب وصوب أن يتنكروا لمعالم هوياتهم ودياناتهم ومذاهبهم . نحن بهذا نخلق مجتمعاً خفياً من النفاق الاجتماعي رغم عظمة هذا الدين وسماحته. وحين قلت لزميل البعثة القبطي القديم : إن في مخاوفه وهواجسه أشياء من المبالغة أجابني على الفور : كيف يذهب أطفالي إلى مدرسة في صباح السبت بين أقران يستمعون إلى خطيب ذات المدرسة وفي مسجدها وهو يلعن كل الديانات ويدعو عليها بالويل والثبور والهلاك (اللهم أحصهم عدداً وقطعهم بدداً واجعلهم غنيمة...). تذكرت أيضاً ذلك (الصيدلي) الذي أسبل لحيته رغم أنني أعرف هويته وحين سألته عن هذا السلوك أجاب : نحن نريد أن نعيش .... ومثلي المئات في كل مكان ، وفي كل المجتمعات يعيشون صراع إخفاء الهوية.
تذكرت أيضاً وذكرت لكل هؤلاء من النماذج التي قابلتها في حياتي أن النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام لم يكن سباباً ولا لعاناً ولن تجد له أبداً أبداً في كل أحاديث الصحاح حديثاً واحداً في هذا التأصيل المبرمج لفقه الكراهية حين يتقول عليه آلاف الخطباء ومئات الصاعدين للمنابر وعشرات القنوات الفضائية . وحين يخفي الطبيب ، استشاري التخدير ، أو أستاذ الجامعة الضخم ، كل معالم الهوية تحت ضغط فقه الكراهية ، فلكل هؤلاء ولنا أيضاً أن نتذكر أن هذا النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام قد مات ودرعه مرهونة عند يهودي : وناهيك عن رهن الدرع كإشارة للتعامل ، فلم يكن هذا اليهودي في حياة نبينا وأيضاً بعد مماته يعيش في بكين أو باريس ، بل كان مع النبي وصحبه في قرية صغيرة اسمها المدينة المنورة.
كل هؤلاء ينسون مع التأصيل المبرمج لفقه الكراهية أن أطول رسالة كتبها هذا النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام كانت إلى (مسيحيي نجران) بكل ما في هذه الرسالة الخالدة من قيم إنسانية ومن حفظ لحقوق الإنسان وكرامته حين تبرز هذه الرسالة العظيمة كل المواثيق وكل المعاهدات ولكم أن تقرؤوها فوراً بضغطة إلكترونية لتعرفوا أين وصلنا مع هذا التأصيل المبرمج لفقه الكراهية . لكم أن تدركوا نتائج السؤال : لماذا لم يتحدث خطيب أو منبر أو قناة أو مثقف عن أطول رسائل هذا النبي العظيم ؟ تلك التي تفوق في طولها حتى خطبة وداعه التاريخية. من هو الذي علمنا هذا التأصيل المبرمج لبشائر الخوف والكراهية ومن هو الذي أنسانا أن هذا الدين العظيم قد وصل إلى أكبر مجموعتين في تاريخه بالسلام والحب : في الملايو وفي جنوب الهند !!
* نقلا عن "الوطن" السعودية
تعليق : اتفق مع الكاتب أن السعودية خاضعة لسطوة المتشددين لكن ما كنت اتصور أن يصل الموضوع أن يخفي أي شخص دينة على شان يعيش ؟ هذي ماساة ما بعدها ماساة أن يكون دين الرحمة و التسامح يمثلة هولاء المتطرفون عديمي الإنسانية الذين هم اعداء للاسلام و اشد تشوية لة من أي جهة كارة لة أخرى . الله يعينكم على هذي البلوى رغم تأثيرها على بقية دول الخليج لكن و لله الحمد و المنة لم يصل هذا التأثير أن يخفي أي شخص دينة بل الكل يعيش بأمن و امان في كل دول الخليج ذات الحكم المدني البعيد عن سطوة المتطرفين ما عدا السعودية التي تحتاج مجهود كبير من النخبة الواعية لتخليص البلاد و العباد من هذا الوباء الفكري الخطير . لا نريد أي دولة خليجية أو عربية أن يسيطر عليها هولاء الرعاع الهمج .