العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الثقافي
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-12-2017 , 01:28 AM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,360
أخر زيارة : يوم أمس 04:48 PM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon375 معركة التنوير الفرنسي



هاشم صالح

تعجبني المعارك الفكرية أكثر من المعارك السياسية ، و إن كانت هذه من تلك . و تعجبني عبارة هيغل : «لا شيء عظيما يتحقق في التاريخ من دون أهواء هائجة و معارك صاخبة». و الدليل على ذلك أكبر مشروع تنويري فرنسي في القرن الثامن عشر : أي مشروع الموسوعة الخاصة بالعلوم ، و الفنون ، و الصناعات ، و الفلسفة . و هو الذي أنجزه ديدرو و فريق عمله على مدار ربع قرن تقريبا . و هو ما يدعى اختصارا بالإنسكلوبيديا . و كان إلى جانب ديدرو مفكر آخر يدعى دالامبير , و هو من كبار علماء الرياضيات في عصره . و قد تعاون معهما على كتابة مواد الموسوعة الضخمة عشرات و ربما مئات الباحثين و المفكرين في شتى الاختصاصات . ففولتير كتب فيها ، و كذلك جان جاك روسو ، و معظم علماء ذلك الزمان . فالموسوعة لا يكتبها شخص واحد . و قد أدى هذا المشروع الفلسفي الضخم ليس فقط إلى تنوير فرنسا ، و إنما أوروبا كلها . فالثورة الفرنسية التي أصبحت منارة لكل الشعوب ، ما هي إلا ترجمته السياسية على أرض الواقع . و إذن ، فالثورة الفكرية أولا و بعدئذ تجيء الثورة السياسية ، و ليس العكس كما يتوهم مؤدلجو الربيع العربي . و الأنكى من ذلك أنهم يعتبرون تصحيح مسار الانتفاضات في اتجاه ليبرالي حداثي كما حصل في مصر و تونس ثورة مضادة ! و يعتبرون الحركات الإخوانية التي أزيحت عن السلطة بمثابة الثورة الحقيقية ! فافهم إذا كنت قادرا على الفهم أيها التعيس ! التاريخ يمشي بالمقلوب في عالمك العربي و ينبغي أن تصفق له ! و مع ذلك ، فأدعو إلى التعاون بين كلا شقي الأمة : العلماني و الإسلامي المستنير . و لست من دعاة الفتنة و الحروب الأهلية و الاستئصالات . و لكن ، كيف يمكن أن تتعاون مع تيار يعتقد جازما أنه يمتلك الحقيقة الإلهية المطلقة من دون بقية المسلمين أو بقية البشر ؟ كيف يمكن أن تتعاون مع تيار يكفر في أعماقه ثلاثة أرباع البشرية ؟ هذا هو السؤال الذي يتحاشونه بأي شكل . و لو أن التنوير الإسلامي انتصر لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من صدامات و جهالات . و لكننا سائرون على الطريق بإذن الله هذه هي قناعتي . التنوير العربي الإسلامي قادم لا ريب فيه . و من ثم ، فالصراع الأساسي المندلع حاليا ليس بين الإسلام و الإلحاد ، و لا حتى بين الإسلام و العلمانية ، و إنما بين الإسلام و الإسلام , إسلام الأنوار و إسلام الإخوان , نقطة على السطر . لكن ، لنعد إلى ديدرو و لنتعظ بتجارب الآخرين دون أن نقلدها حرفيا . في البداية ، كان يريد و زميله دالامبير ترجمة الموسوعة الإنجليزية لكي يطلع القارئ الفرنسي على آخر مستجدات المعرفة في عصره . و معلوم أن إنجلترا كانت سبقت فرنسا إلى النهوض العلمي و الصناعي و الاستيقاظ السياسي و التسامح الديني ، و كانت تمتلك موسوعة كبيرة تشتمل مختلف المعارف و العلوم . و المتأخر يقلد المتقدم و لا عيب في ذلك , هذا قانون تاريخي . و من ثم ، فكفوا عن صم آذاننا بمعزوفة «الغزو الفكري»! فرقوا بين حثالات الغرب و انحرافات الحداثة الحالية ، و جوهر المشروع التنويري الحضاري . خذوا الجوهر و اطرحوا القشور . لكن ديدرو بعد تأملات طويلة و مناقشات عميقة استقر رأيه على تأليف موسوعة جديدة لا على ترجمة الموسوعة الإنجليزية حرفيا . و كان يهدف منها إلى تغيير العقلية الفرنسية عن طريق تشجيع الفكر الجديد و نشر الأنوار الفلسفية في مملكة الاستبداد و الظلامية الكنسية . فالفرنسيون في ذلك العصر كانوا جهلة ، محدودي الأفق ، و منغلقين على العلم و الفلسفة . و لذلك ، فكر هذا الفيلسوف الكبير في تنويرهم و إخراجهم من ظلمات التعصب و الجهل إلى أنوار العلم و التسامح . ثورة مضادة و لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق من دون أن يقدم لهم معرفة جديدة غير المعرفة الكنسية السائدة : أي المعرفة التراثية التي يتلقونها عن طريق الإخوان المسيحيين التي كانت تسود المجتمع آنذاك من أقصاه إلى أقصاه . و هي لاهوتية في معظمها و لا تولي أهمية تذكر للعلوم الحديثة ، بل كانت تحتقرها و تكفرها . فما قيمة العلم البشري قياسا إلى العلوم الكنسية ؟ لا شيء . و قال ديدرو في افتتاحيته : «إننا نهدف إلى نقد التعصب الديني الأعمى و كذلك التعصب السياسي أو بالأحرى الاستبداد السياسي ، هذا بالإضافة إلى مدح الروح النقدية للعقل و حرية الفكر . ففرنسا بحاجة إلى أن تتنفس بحرية ، إلى أن تتقن الروح النقدية الإبداعية بعد سبات طويل . آن أن تستيقظ فرنسا فقد سبقها الآخرون». و كان ديدرو يهدف إلى تفحص كل العقائد بلا أي مجاملة أو مراعاة . فكل شيء ينبغي أن يخضع لسلاح النقد و منظار العقل ، بما فيه التراث المسيحي المقدس نفسه . و لهذا السبب اصطدم الفيلسوف الكبير برجال الدين و حاولوا عرقلة مشروعه ، بل أوقفوه أكثر من مرة قبل أن يعود إلى مواصلة العمل من جديد . وحصل كر و فر أرهقه حتى صحيا . و من ثم ، فحول الموسوعة الشهيرة دارت المعارك الفكرية و الحروب بين شقي فرنسا : الشق الفلسفي العلماني الصاعد و الشق المسيحي اللاهوتي المهيمن تاريخيا . و هكذا ، اشتبك الأصوليون المسيحيون مع الفلاسفة العلمانيين بكل ضراوة و شراسة , و عن هذا الاشتباك نتجت الحداثة . لكن ديدرو تسرع قليلا أو قل تهور عندما هاجم أكبر شخصية أصولية مسيحية في فرنسا : بوسويه , و معلوم أنه عاش في القرن السابع عشر و كان مضادا للفلسفة الديكارتية و كل العلم الحديث بشكل عام . و كان يكفر كل المذاهب المسيحية الأخرى ما عدا المذهب الكاثوليكي البابوي . و بالطبع ، فإن هجوم ديدرو على هذه الشخصية الضخمة أثار حفيظة الأصوليين المسيحيين ، فاحمرت عليه الأعين و أوشكوا أن يبطشوا به . و تمت مصادرة الموسوعة فورا و أصبح الرجل مهددا بالخطر , فتوارى عن الأنظار فترة من الزمن لكي تمر العاصفة . هكذا ، نلاحظ أن المعارك الفكرية لا تقل خطورة عن المعارك السياسية - إن لم تزد !

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدين و التنوير العقلاني و السياسي البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 15-06-2018 06:08 AM
الفالنتاين و معركة الفلول البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 23-02-2018 03:13 PM
إطلالة بانورامية على الفكر الفرنسي البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 21-11-2017 11:12 PM
حاجة المسلمين إلى التنوير البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 20-12-2016 01:14 AM
معركة أوسترليتز البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 2 26-05-2013 02:00 PM


الساعة الآن 03:45 PM