سمير عطا الله
يتوارث الملوك ثقافة التراحم و العفو و العدل من فرائض الحكم و سعة الصدر قاعدة . لم يرتبط تاريخ أي نظام ملكي عربي بمحاكمات و إعدامات جماعية , لم تعرف الأنظمة الملكية في ليبيا و الأردن و العراق و مصر و السعودية سجنًا سياسيًا جماعيًا . سألت مرة المفكر و السياسي الفلسطيني عبد المحسن القطان عن سر الملك حسين الذي سمى المتآمرين عليه رؤساء حكومات و وزراء و سفراء فأجاب تلقائيًا : «لأنه ملك». مؤامرة القذافي على حياة الملك عبد الله بن عبد العزيز امتلأت باعترافات المشاركين و ألغيت القمة العربية في تونس لأنه تأكد للجميع أن الجريمة سوف تُنفَّذ هناك . و مع ذلك عفا في قمة قطر التالية و صفح و صافح و اكتفى من القذافي بقوله إن مخابراته دبرت المؤامرة من دون علمه . طوال 50 عامًا كانت إمارة الرياض ساحة للعدل و الرحمة ، نموذجًا ملكيا و اهتمام في معاملة الناس و حل قضاياهم . ما من شبيه لها في أي بلد آخر : تقدم إلى أميرها طلبات العلاج و التعليم و الرعي و السقي و النزاعات العائلية و أي شأن يخطر في بال مواطن . و كان الملك سلمان ينظر فيها جميعًا و كان فريق عمله يتولى ملاحقة كل طلب لا ميزات و لا تمييز . في النظام الملكي الأبواب مفتوحة أمام الناس . قامت الدنيا قبل سنوات لأن 14 ناشطًا أُدخلوا السجن بعد بيان شديد العنف , لم يذكر أحد أن سلمان بن عبد العزيز كان قد أمضى الوقت الطويل في محاورتهم قبل ذلك أو بعد العفو عنهم . و في تلك المرحلة كان مئات المثقَّفين العرب يُحشرون في زنزانات السجون الثورية و الطلاب تعلق مشانقهم في حرم الجامعات أمام رفاقهم و أهاليهم . قبل موجة الإرهاب كنت تذهب إلى المقار الملكية فلا تجد سوى بضعة حراس يلقون التحية و يفتحون الأبواب فيما كان الحكام الثوريون يقطنون في الثكنات العسكرية و يغلقون الأبواب في وجه الناس ، و يشنّون الحروب في كل اتجاه ، و يرسلون الناس إلى الموت في كل اتجاه . النظام الملكي هو الذي وحَّد السعودية ، و هو الذي وحَّد العراق ، و هو الذي وحَّد ليبيا . و اليوم ليبيا و العراق في مهب الموت و القتل و خطر التقسيم . عائلات المطلوبين في السعودية تتلقى المساعدة و الحماية و الرعاية . و أحد حراس الملك عبد الله كان ابن جهيمان , و شاعر الحرس الوطني كان خلف بن هذال عديل الرجل الذي حاول احتلال الحرم . سدت الثورات المزيفة طرق التقدم في دول كثيرة , و أشاعت الخوف بدل الطمأنينة ، و أثارت الناس و الدول على بعضها البعض ، و أحالت القانون على المحاكم العرفية ، و أهبطت مستوى التعليم , و ظلت الدول العاملة بالعدل و التراحم نموذجًا للاستقرار و التقدم .