رشيد الخيون
لم نسمع في تاريخ العراق الذي عشناه على الأقل ، أن تحوَل المسجد أو الحُسينية إلى مشجب للسلاح و مقرات للجماعات المسلحة إلا بعد 2003 . فكل جماعة أَممت مكانَ أداء طقوس لها محروساً بسلاحها و مغطى بشعاراتها . إنها ظاهرة خطيرة مخاطرها من توابع خلط الدين بالسياسة و بصورة متوحشة ، أي أن السلاح المدخر في دور العبادة يصبح جزءاً من الطقوس ، و المقتول به يُعد مارقاً أما القاتل فمجاهد ، و كل أعضاء الأحزاب الدينية من القاتلين و الفاسدين حملوا لقب «مجاهد»! كان انفجار السلاح المكدس في حسينية بمدينة «الثورة» سابقاً «الصدر» لاحقاً مشهداً مؤلماً ، أن يتردد الناس على المكان باعتقاد أنهم في أمن و طمأنينة ، يمارسون فيه ما سماه البعض بـ«الحزن النَّبيل»، و إذا الموت ينتظرهم و ينتظر من هُدمت بيوتهم المجاورة لعظمة الانفجار . كان ذلك الحدث واحداً مِن «نواحس الأربعاء» (6/6/2018) و يا «تاريخ سجل»، و قد عددتُ نواحس هذا اليوم في أكثر من مقال . حتى القرن الثالث الهجري لم نقرأ عن مسجد شيعي و آخر سُني ، بل لا وجود لمقبرة شيعية و أُخرى سُنية ، و لا آذان سُني و آخر شيعي ، هذا كله استُحدث بعد تشكيل المذاهب على أساس تباين العقائد . أما ما عُرف بالحُسينيات فلا وجود له حتى خلال العهد الصفوي (1501-1723)، بل تأخر إلى بعد منتصف القرن التاسع عشر (الحيدري ، تراجيديا كربلاء). أما الحديث عن أن الأئمة الاثني عشر هم مَن أسسوا الحسينيات فهذا كلام لا قرار له . كان الأئمة يصلون في المساجد الموجودة لم يميزوا أنفسهم بأماكن عبادة على أساس مذهبي . غير أن الإسلام السياسي الشيعي أخذ يستغل الحسينيات كأماكن لإحياء عاشوراء ، فصارت أمكنة للكسب حتى اختلط الحزبي بالحسيني ، بالداخل و الخارج ، فأينما يكونون يؤسسون حُسينياتهم كمقرات لأحزابهم . عاد رعاتها و استلموا المناصب الرفيعة . جمع أحدهم بعاصمة أوروبية تبرعات من أغنياء عراقيين على أن يؤسس حسينية للجميع ، و إذا به يُسجلها باسم حزبه ثم حدث العراك على إدارتها ، و المعلومة من المتبرعين أنفسهم . قولوا ما شأن الحُسين بمثل هذا البناء ؟ بهذه الروحية أخذوا ينظرون للدولة كحُسينية كبيرة . مثلما استغل الإسلام السياسي السُّني الجوامع ، فكانت خطب حسن البنا (اغتيل 1949) التي يصطاد بها الأتباع تُلقى في مساجد القاهرة ، كمسجد «محمد فاضل باشا» حيث بايعه محمد الصواف (ت 1992) ليعود و يؤسس «الإخوان» العراقيين (الصواف ، من سجل ذكرياتي)، و بعدها صُنفت مساجد ببغداد و غيرها على أساس حزبي أيضاً . مما يخص مكان انفجار الأربعاء الماضي ذُكر أن الشيخ البديري بدأ نشاطه في (1991-1992)، فكان يؤم جماعته في مسجد «شباب أهل الجنة»، و أخذ أنصاره يدعونه باليماني الرجل الذي يسبق الظهور حسب الروايات الخاصة بالمهدي (المياحي ، السفير الخامس 2001). كان مدبر الحركة شخصاً يكنى بأبي المهيمن و أخذ ينظم الجيش على منوال الجيوش الإسلامية . وزع «المناصب في جيش الإمام المزعوم فهذا حامل الراية و ذاك السَاقي» (المصدر نفسه). و بعد نشر «مئة عام مِن الإسلام السياسي بالعراق»، وصلتني رسالة يقول صاحبها : «إن البديري لم يدع المهدوية و خضوع الناس لقائد الجيش أبي المهيمن ، و يرى أنه صاحب رسالة و فكر». غير أن رسالته و فكره كانا سياسيين لا شأن للمسجد و الحسينية بهما ، فأغلب الأحزاب الدينية قدمت نفسها بأنها ممهدة للمهدي ، و منها على سبيل المثال لا الحصر «جند الإمام» الجماعة المنشقة عن «حزب الدعوة الإسلامية»، بل إن قادة الثورة الإيرانية اعتبروها ممهدةً لظهور المهدي ! كل ذلك لا يخص العبادة و لا يتعلق بعاشوراء ، فيمكن تشبيه «الحُسينية» بالخانقاه أو الزاوية الصوفية ، و مثلما تعددت الزوايا على اختلاف مشارب الطرق الصوفية ، تعددت الحُسينيات على تباين الجماعات ، و المرجعيات ، و المحلات ، و حتى على أساس المهن ، و كل جماعة ترتاد حُسينيتها و مسجدها ، فللشيرازيين الآن مثلاً حُسينياتهم الخاصة ، لكن أن تتحول إلى مشجب لتكديس السلاح فهذا نذير شُؤم ، و ما علاقة أسماء الأئمة بها ، فالغالب منها عنْوِنَ بأسمائهم . فمن له مصلحة بفوضى السلاح و تكديسه في الحُسينيات و عدم حصره بيد الدولة غير الذين يريدونها دولاً و حكوماتٍ ، لا دولة و حكومة واحدة؟! لأن قوتهم بسلاحهم . إنهم باختصار يعبرون عن سلوك «أمراء الحروب» و زعماء العصابات . أما الذين تزلزلت بيوتهم بانفجار السلاح المكدس فحالهم كالأسرى لدى سادة الحُسينيات و دعاة العنف منها . مع العلم بأن الحُسينية المتفجرة ليست الوحيدة التي كُدس فيها السِّلاح . يا أهل العراق مَن وطَّنَ نفسه على تقاليد و أخلاق المليشيات ليس له حظ في سلام و إعمار ، مهما قدمت المليشيات نفسها مدافعةً عن مذهب أو جماعة ، حتى حُسبت انتصارات الجيش العراقي لها ، فخطر البقاء على سلاحها المُكدس خطر الأفعى الثابتة ، و للشيخ الحويزي (ت 1957): «معقربةُ الأصداغِ ترسلُ وفرةً/ فتنساب كالأفعى (فتقتلهم) نهشاً» (الموسوي، حركة الشعر في النجف). لقد راح المعدمون نهشاً بالقنابل و البارود الذي هد البيوت عليهم و من مخازنه في الحُسينية !
تعليق : اعتقد شيعة كثير ما يعرفو ن المعلومات المذكورة في المقال ؟