معتز بالله عبد الفتاح
بمناسبة عرض خطة الحكومة على البرلمان القادم اقرأ هذه القراءة الأولية فى مذكرات «مهاتير محمد» رئيس وزراء ماليزيا بعنوان «طبيب فى رئاسة الوزراء» عسى أن يكون فيها ما يفيد . أولاً ، يقول «مهاتير»: «أطلقنا حملة النظافة و الكفاءة و الأمانة فى سنة 1982 لاستخدامها فى أول انتخابات عامة و أنا رئيس الوزراء .. و احتجنا إلى شعار مناسب للإشارة إلى التغييرات التى رأينا وجوب إدخالها فى عهدى ، وجدنا أن التغيير واجب فى نواحٍ ثلاث : تطهير البلاد من الفساد ، و رفع الكفاءة ، و التحلى بالأمانة . و كانت هذه هى نقطة البداية فى النهضة الماليزية». سؤال إلى الحكومة المصرية : ما هى الشعارات التى تحدد أولوياتكم و كيف تتحول من «علاقات عامة» (public relations) إلى «سياسة عامة» (public policy) ؟ ثانياً ، يقول «مهاتير»: «الماليزيون على الخصوص ملتزمون بالعادات و التقاليد لأنها تشعرهم بالأمان ، لكنى اعتقدت دائماً بإمكانية أداء الأعمال بطرق مختلفة و أن نظم القيم تحدد نجاح الفرد أو المجتمع أو الأمة و ما إلى ذلك ، و إذا كانت قيم المجتمع أو الامة تتطور بشكل طبيعى يمكن كذلك غرسها بشكل مقصود و ممارسة الحكومة تلك القيم خير وسيلة لفعل ذلك» . سؤال إلى الحكومة : ما هى القيم التى تود زراعتها بشكل مقصود فى المجتمع ، و ما هى الآليات المستخدمة لتحقيق هذا الهدف ؟ ثالثاً ، يقول «مهاتير»: «مع انطلاق حملة (النظافة و الكفاءة و الأمانة) بدأت العجلة بالدوران تلك كانت طريقة للحد من الفساد . كان بناء فندق يتطلب الحصول على 200 موافقة منفصلة و كان الحصول عليها يستغرق سنوات و كان مقدم الطلب المتلهف الذى يعرف أن الوقت كالمال يلجأ إلى تقديم الرشاوى لتسريع معاملته ، و بعد وقت وجيز عرف المسئولون أن تأخير العمليات نافع لهم فصارت عادة توجب قطعها .. و بعد أن أصبح الحصول على الموافقات على مشاريع البناء أيسر ظهرت الرافعات فى أنحاء كوالالمبور و أصبح مشهد الشاحانات التى تخلط الأسمنت مألوفاً و شاع بناء المبانى الشاهقة فى شتى أنحاء العاصمة .. بات بناء منزل أو إصلاحه فى ماليزيا اليوم أسرع منه فى إنجلترا». سؤال إلى الحكومة : هل نتوقع أمراً مثل هذا بعد قانون الاستثمار الموحد ؟ بس القضية ليست فى القانون فقط القضية فى الثلاثة «قاف»: القيادة ، القيم ، و القانون . رابعاً ، يقول «مهاتير»: «أنا القائد و أمثل القدوة و كان على أن أستغل حب أنصارى لى فى بناء روح وطنية جديدة . لقد تعلمت قيادة الطائرة لتشجيع الشباب على فعل نفس الشىء و بعد أن بدأت ركوب الخيل انتشرت أندية الفروسية فى البلاد و بعد أن رفضت ركوب أى سيارة إلا السيارة (بروتون) المصنوعة فى ماليزيا أصبح جميع المسئولين الحكوميين يركبونها و ارتفع الحس الوطنى عند الماليزيين و أصبحوا حريصين على شراء كل ما هو ماليزى أولاً . و حين طرح شعار (ماليزيا يمكنها فعل ذلك) قويت جاهزية الماليزيين لمجابهة تحديات جديدة . تسلقوا جبل إيفرست ، خاضوا بحار العالم فى إبحار منفرد ، و عبروا القناة الإنجليزية سباحة و اجتازوا منطقتى القطب الجنوبى و القطب الشمالى . و كنت أشجع كل هذا علناً ، و أشجع روح المغامرة و البحث عما هو جديد . هذه كلها أمور لم يكن يفعلها أو حتى يفكر فيها الماليزيون من قبل». سؤال إلى الحكومة : هل لدينا شىء من هذا ؟ و لو الرؤية مش متبلورة تماماً بهذا الشأن و ده مفهوم بسبب ضيق الوقت فى الفترة الماضية ، مين اللى هيمسك الملف ده فى الفترة اللى جاية ؟ خامساً ، يقول «مهاتير»: «شعرنا قبل الغزو اليابانى لماليزيا أن الغربيين متفوقون و أنهم الأذكى و الأقوى لكن سفرياتى إلى اليابان أقنعتنى بأنه فى إمكان الماليزيين تعلم الكثير من هذا الجزء من العالم ، و حين أصبحت رئيساً للوزراء كانت اليابان قد غدت قوة صناعية عظمى و كوريا الجنوبية فى طور البروز كدولة صناعية . و لم يمضِ وقت طويل حتى قررت أنه ينبغى لماليزيا النظر إلى هاتين الدولتين كنموذجين للتنمية و من هنا تبلورت سياسة النظر شرقاً و انطلقت . و حين قاومنى البعض وفضلوا الاتجاه إلى الغرب قلت لهم إن الغرب تطور بشكل بطىء على مدى قرون ، ففى حين لا يوجد أوروبى حى واحد يتذكر الثورة الصناعية (لأنها حدثت من أكثر من 250 سنة) يوجد عدد لا يحصى من اليابانيين و الكوريين الجنوبيين الذين لا يزالون يستحضرون بوضوح تام الصعاب و التكاليف التى تكبدوها لحيازة المعرفة التقنية الصناعية الغربية و إدارة منشآتهم الصناعية». سؤال إلى الحكومة : هو إحنا ناويين نكون شبه مين أو بنتعلم من مين أو رايحين فين ؟ و لو الرؤية مش متبلورة تماماً بهذا الشأن و ده مفهوم بسبب ضيق الوقت فى الفترة الماضية ، مين اللى هيمسك الملف ده فى الفترة اللى جاية ؟ سادساً ، يقول «مهاتير»: «أقرت حكومتنا رسمياً مفهوم (ماليزيا المتحدة) فى سنة 1983 و بقيامنا بذلك تعهدنا بأن تشاور الحكومة القطاع الخاص بانتظام قبل صياغة سياسة أو اقتراح قوانين تؤثر فى اقتصاد البلاد لا سيما القوانين التى تنظم الاستثمارات ، و فى الحوافز و الضرائب . و تعين على القطاع الخاص المشاركة فى إبراز صورة البلاد كمحل للاستثمار و التجارة ، و فى إرسال ممثليه مع الوفود الحكومية التى تزور الدول الأجنبية لهذا الغرض . و فى السياق نفسه ، تساعد الحكومة بقوة رجال الأعمال و الشركات الماليزية فى الداخل على تحقيق أرباح . كنت أشرح فى المنتديات حقيقة أن الحكومة ليست مجردة من الأنانية حين تساعد القطاع الخاص ، فإلى جانب الاعتراف باضطلاع القطاع بدور فى توسيع الاقتصاد و تطوير البلاد لان 28 بالمائة منها ستجبى على شكل ضرائب مفروضة على الشركات إلى جانب الضرائب المتنوعة الأخرى التى تجبيها حين يكون قطاع الأعمال نشطاً . و أثناء الأزمة المالية التى حصلت فى عام 1998 شكلت هيئة استشارية خاصة تسمى (مجلس العمل الاقتصادى الوطنى) ضم المجلس ممثلين من القطاع الخاص و نقابات العمال . و عكفت يومياً على مراقبة الوضع الاقتصادى الناشئ عن تدهور قيمة العملة الماليزية و اقتراح العلاجات . و من خلال العمل الجماعى و الجهد الواعى أمكن تجاوز الأزمة و لم تتفوق أى دولة أخرى على ماليزيا فى التعاون بين القطاعين العام و الخاص». سؤال إلى الحكومة : ما هو الدور المتوقع للقطاع الخاص بأحجامه المختلفة (الكبير ، المتوسط ، الصغير)؟ و ما هى آلياتك لتفعيل دور القطاع الخاص فى خدمة الاقتصاد الوطنى ؟ «مهاتير» لم يترك أمور الاقتصاد فى يد البيروقراطية الحكومية (الدولة العقيمة) و إنما أدارها بنفسه لأهميتها المطلقة . طيب إحنا هنعمل إيه ؟ و لو الرؤية مش متبلورة تماماً بهذا الشأن و ده مفهوم بسبب ضيق الوقت فى الفترة الماضية ، مين اللى هيمسك الملف ده فى الفترة اللى جاية ؟ سابعاً ، مين فى الحكومة قرأ مذكرات أو كتباً جادة عن أولئك الذين صنعوا نهضة اقتصادية كبيرة فى بلدانهم سواء مهاتير محمد أو غيره ؟ عشان بس يكونوا عارفين اللى نجحوا ، نجحوا إزاى ، زى كده ما بنبعت مدربى الكورة للخارج فى دورة تدريبية يعرفوا بس إيه الحكاية حتى لو ما عرفناش نعملها إلا بعد فترة مش يروحوا يتفرجوا على الماتشات (نتائج التدريب) يروحوا يتفرجوا على التدريبات نفسها (يعنى يشوفوا الطبخة بتتطبخ إزاى).