احمد منصور
حينما صدر كتاب «الطرائد» للصحفية الفرنسية أتيك كوجان وقرأت عرضا له قبل أيام ، أعاد إلى ذهنى بعض ما دونته وجمعته من شهود عيان خلال زياراتى المتكررة إلى ليبيا بعد سقوط القذافى ونظامه ، حيث كنت أعتبر بعض ما أسمعه وأدونه ضرباً من ضروب الخيال والجنون ، لشخصية تجمع كل ما فى الدنيا من قبح و«نذالة» وابتذال وشذوذ ، وسأروى هنا بعض وليس كل ما رأيته ونقله لى شهود عيان مع بعض الروايات المتواترة ، لأن هناك أشياء من الصعب أن تروى من فظاعتها ، حتى إنى كنت أقول فى بعض الأحيان لمن يخبرنى : «يكفى لم أعد أحتمل». وتأكيدا لما ورد فى كتاب «الطرائد» ، فحينما ذهبت إلى زيارة الجامعة استقبلنى مديرها ، وهو الذى قاد تحريرها مع بعض الطلاب وكان أستاذا فى كلية الطب ، وبعدما روى لى جانبا من تاريخ نضالهم داخل الجامعة ، أخذنى إلى المدرج الرئيسى وقال : «لن ندخل المدرج ولكنى سأريك شيئا تحته» ، كان هذا الشىء هو استراحة بناها القذافى داخل الجامعة ، وربما يتساءل الكثيرون ما حاجة الرئيس لبناء استراحة داخل الجامعة ؟ لكن هذه الاستراحة لم تكن سوى أحد أشكال الشذوذ لدى الرجل الذى كان يتردد على الجامعة لاصطياد الطالبات ، وقد رتب له زبانيته كاميرات داخل ممرات الجامعة وأركانها يستطيع من خلالها أن يرى من يشاء علاوة على اختياراته التى كانت تتم من خلال زياراته المتكررة للجامعة ، لكن الصدمة لم تكن هنا ولكن الصدمة كانت حينما وجدت بجوار غرفة نومه فى الاستراحة غرفة عمليات نسائية كاملة التجهيز ، ولأن مدير الجامعة كان أستاذا فى كلية الطب فقد قال لى : «لقد صدمنا حينما اكتشفنا وجود هذه الغرفة ، علما بأن كلية الطب ومستشفاها لا يبعدان إلا بعض مئات من الأمتار عن هذا المكان ، ولما سعينا للتحقق وجدنا أنه كان بعد اعتدائه على الطالبات إذا حملت إحداهن أو تخوفت من الفضيحة كانوا يجرون لها عملية إجهاض أو غيرها داخل هذه الغرفة بعيدا عن المستشفيات العامة وفى سرية تامة» ، سألت رئيس الجامعة إن كان يمانع فى أن أخبر الزملاء فى مكتب الجزيرة لكى يقوموا بتصوير هذا وبثه فلم يمانع ، وقام الزملاء بتصوير الاستراحة والغرفة وبث تقرير عن الموضوع . وأبلغنى رئيس الجامعة أيضا أن مسجل الجامعة لم يكن سوى قواد للقذافى وأبنائه ، حيث كان يقوم بعرض صور الفتيات الجميلات عليهم ، ثم يقومون باستدراج الفتيات بالتهديد والوعيد ويعتدون عليهن ، وكم من عائلات هربت بفتياتها من البلاد بعدما استهدفهم القذافى وزبانيته حفاظا على أعراضهن ، وقد وجدوا فى مكتبه بعد سقوط النظام عشرات الصور لطالبات مع أرقام هواتفهن . أما الذين كانوا يعملون مع القذافى وحوله فقد أخبرنى أحد المحققين الذين يقومون بالتحقيق مع هؤلاء أن بعضهم كان كل دوره هو جلب الفتيات من أرجاء الدنيا عبر القوادين والقوادات ، وكان القذافى ينفق عشرات الملايين من الدولارات على هذه الملذات التى كان يمارس من خلالها كل أنواع الشذوذ ، وحتى يمرغ أنف بعض من يعملون حوله كان يعتدى على زوجاتهم وبناتهم حتى يكسر رجولتهم ويجعلهم أذلاء حوله لا يستطيع أى منهم أن يرفع عينه وهو يتحدث إليه . فى كتابها «الطرائد» تروى أتيك كوجان قصة ثريا الفتاة التى لم تتجاوز الخمسة عشر عاما والتى كانت طالبة فى المدرسة أعجب القذافى بها حينما تقدمت لتقدم له باقة من الزهور حينما كان يقوم بزيارة مدرستها ، فأشار لزبانيته أنه يريدها ، ولم تكن تدرى وهى تقول له «بابا معمر» أنها سوف تنتقل من حياة أحلام الفتيات إلى الجحيم ، أخذوها من بين أهلها وهى غضة لم تعرف الحياة بعد ، ليقوم «النذل» الخسيس باغتصابها وانتهاك روحها وضمها إلى عشرات أو مئات مثلها ممن قام باغتصابهن وتدمير أرواحهن وحياتهن كما قام بتدمير حياة وأرواح شعب كامل ، معتقدا أنه بعيد عن القصاص ، فكانت نهايته عبرة لكل من كان له قلب ، لكن جراح ثريا ومئات وربما آلاف مثلها ممن سرق القذافى منهن الطفولة والبراءة ستظل دليل إدانة لوحشية وشذوذ هذا الطاغية.