محمد ال الشيخ
عندما حاول المتأسلمون السياسيون القفز إلى السلطة في الجزائر في الثمانينايت من القرن المنصرم من خلال الانتخابات الديموقراطية أعلنوا حينها أن الديموقراطية برمّتها بما فيها الاحتكام إلى صناديق الانتخابات بين المتنافسين لا تجوز شرعاً . و أن انتهاجهم لها كان على سبيل الاضطرار لذلك فالسُلّم الانتخابي الذي به سيصعدون إلى سدة السلطة سيمنعون إعادة استخدامه بمجرد أن يصلوا إليها , فمنازعة (الأمر أهله) التي تتكئ عليها فكرة الديموقراطية الغربية و كذلك تداول السلطة بين فئات الشعب هي في معاييرهم الفقهية ليست من تراث الإسلام و لم يقرها أحد من فقهاء السلف كما خطب بذلك حينها الشيخ «علي بلحاج» و هو واحد من كبار أساطينهم في الجزائر . عندها اضطر الجيش الجزائري إلى التدخل و إلغاء الانتخابات فتفجر آنذاك صراع دموي بين الجيش و المتأسلمين الجزائريين امتد لأكثر من عقدين من الزمن و نتج عنه الكثير من القتلى و الجرحى و الخسائر في الممتلكات فضلاً عن الخسائر المتمثلة في تعطل مسيرة الجزائر التنموية ، إذ أعاقتها هذه المواجهات و الأحداث المتلاحقة عن كثير من المنجزات المدنية و بناء الإنسان المتحضر غير أن الجزائر (الدولة) نجت من أن تنتهي إلى ما انتهت إليه سوريا و ليبيا اليوم ، و كادت مصر هي الأخرى أن تصل إلى المصير نفسه لولا تدخل الجيش المصري و إنقاذ مصر الدولة من أن تقع في براثن هذه الجماعات الظلامية الانتهازية . و كان كثير من المثقفين يلومون الجيش الجزائري لإفشاله التجربة الديمقراطية الوليدة في الجزائر و السبب كما كانوا يقولون عداء جنرالاته للإسلاميين . أما بعد الربيع العربي و ما تمخض عنه من أهوال و دمار فليس لدي أدنى شك أن الأغلبية الساحقة من الجزائريين و بالذات البسطاء ممن انخدعوا بخطابهم المتلبس بالدين و تكريس الهوية التاريخية للجزائر حين رأوا بأعينهم ما يجري في جارتهم (ليبيا) من شلالات دموية فظيعة ، و نزاعات فئوية طاحنة ، و دولة فاشلة ، و شعب مشرد ، و محن و قلاقل لا تكاد تهدأ إلا لتثور من جديد و لا يبدو أن لها نهاية قريبة سيدركون قيمة تدخل الجيش الجزائري آنذاك و منعه هؤلاء المتأسلمين الانتهازيين من الوصول إلى السلطة ، لأن وصولهم كان حتماً سيُفجر حرباً أهلية دموية على غرار ما يجري في جارتهم ليبيا و ما يجري الآن في سوريا فالدواعش - مثلاً - الذين أصبحوا اليوم مثل (الغول) الأسطوري الذي ما يحل في بلد إلا و يحيل أرضها إلى دماء تتدفق و أكوام من الجماجم البشرية لا يختلف إطلاقاً عن الغول الجزائري المتمثل في (الحركة الإسلامية للاتقاذ) التي منعها الجيش الجزائري من الوصول إلى السلطة . إن تجربة (سوريا) في المشرق العربي و تجربة (ليبيا) في المغرب العربي و كذلك تجربة (العراق) الذي أرادته الجيوش الأمريكية واحة من واحات الديموقراطية كما كانوا يقولون ، كل هذه التجارب المختلفة و المتنوعة ، و الفاشلة حتى الآن تثبت أن الديموقراطية كوسيلة لترسيخ الأمن و الاستقرار و رفاهية الشعوب و التوافق و العيش المشترك بين أفراد المجتمعات إذا لم تبدأ من الفرد و توعيته ، و تنمية الشعور بالأنا الفردي و تقديمه لمصلحته الذاتية كأولوية لا تتجاوزها أولوية أخرى بحيث تستحوذ على تفكيره و توجهاته و قراراته ، و تخلصه من الشعور بالأنا الجَمعي الموروث و ما يطغى على إرثه الثقافي من انتماءات أياً كان نوعها فإن مصير الحلول الديموقراطية هي الفشل الذريع . و هذا في تقديري السبب الأول و الرئيس لفشل الديموقراطيات العربية و نجاحها في المجتمعات الأخرى . و يثبت صحة ما أقوله هنا النجاح النسبي للتجربة الديموقراطية التونسية بعد الثورة و فشل البقية , فالرئيس بور قيبة مؤسس تونس الحديثة عمل منذ الاستقلال عن فرنسا على الارتقاء بالمواطن التونسي و تكريس إحساسه بالمدنية فشكل ذلك فيما بعد أرضا خصبة و عجينة طيعة مكّنت من التعامل مع الصناديق الانتخابية أفضل من بقية العرب الآخرين , غير أن التجربة التونسية منقطعة النظير هي هنا بمثابة الاستثناء العربي الذي يؤكد القاعدة و لا يُلغيها .
تعليق : لعنة الله على ما يسمى الاسلام السياسي كأنهم شوهو صورة الاسلام لكن في نفس الوقت الحمدلله اللي انكشفت اوراقهم بسرعة قبل التمكن من البلاد و العباد , وحوش متخلفة دينيا" و فكريا" لا تملك فكر أو رؤية أو حتى تسامح للعيش مع المختلف بسلام . الشيء الأكيد هو اعادة النظر في جميع المناهج الاسلامية و غيرها و اصلاحها بحيث نقضي على أي فكر متطرف ضد الوسطية و التسامح و العيش بسلام مع المختلف في الرأي و الدين .