العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الثقافي
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-02-2018 , 08:01 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,361
أخر زيارة : اليوم 12:53 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon38 المئوية الخامسة للإصلاح الديني



السيد ولد أباه


مرت مؤخراً الذكرى المئوية الخامسة لصدور أطروحات رجل الدين الألماني «مارتن لوثر» التي أحدثت شرخاً قوياً في العالم المسيحي ، و مكنت من إحداث ما سمي بالإصلاح الديني البروتستانتي الذي غير جوهرياً التقليد التأويلي و اللاهوتي المسيحي . و قد اشتهرت أطروحة عالم الاجتماع «ماكس فيبر» التي تربط بين نشأة الرأسمالية الحديثة في مقوماتها النظرية و المعيارية (العقلنة الأداتية و تمجيد العمل و تنمية عقلية الادخار و الإنتاج) بالروح الدينية البروتستانتية ، و من ثم تقررت مسلمة تمهيد الإصلاح البروتستانتي للحداثة و التنوير في أوروبا . إن هذه المسلمة هي الخلفية التي أطرت تصور الكثير من المفكرين المسلمين المحدثين من محمد عبده و محمد إقبال إلى محمد أركون في مطالبتهم بتحقيق الإصلاح الجذري في الإسلام لتهيئة السبل للتحديث الفكري و الاجتماعي . بيد أن الكتابات العربية تخلو إجمالاً من أي مقاربة جدية لحركية الإصلاح الديني المسيحي و علاقته المزدوجة بالحداثة و التنوير ، باعتبار أن الديناميكية البروتستانية كانت في أحد وجوهها نزعة إحيائية تأصيلية تدعو للرجوع للنص المقدس و نبذ التراث الفلسفي اللاهوتي الواسع الذي ارتبط بتقليده التأويلي ، كما كانت نزعة زهدية متقشفة ناقمة على الثقافة النفعية الاستهلاكية و الفنون الجمالية لعصر النهضة ، و من هنا لا وجه لوصلها بالقيم الحداثية التنويرية ، لكنها من وجه آخر ساهمت في تقويض المنظومة السكولاستية الوسيطة في جانبها المعرفي و المؤسسي الديني مدشنة أفقاً جديدا للعالم الأوروبي . لا يتسع المقام للوقوف عند أهم المقومات الفكرية للإصلاح الديني ، و إنما سنكتفي بالإشارة إلى محاور ثلاثة مركزية في هذا الفكر كما وردت في أعمال مارتن لوثر و جان كالفين . المحور الأول يتعلق بعقيدة «الخلاص» و ما يتصل بها من منزلة البابوية المقدسة و الدور المنوط بها في منح الغفران . الخلاص بالنسبة للإصلاحيين البروتستانت حالة فردية تحكمها العلاقة المباشرة بين الله و خلقه لا يتوسطها رجل الدين ، بل هو في كامله معلق بالمشيئة الإلهية و العدل الإلهي ، و لا يمكن للمؤمن أن يستحق النجاة الأخروية بعمل أو سلوك أو اصطفاء مسبق . ما تؤكد عليه الأطروحة البروتستانية (القريبة من المنظور الأشعري الإسلامي) هو أن ما يحمل على الطمأنينة هو حب الله و رحمته و الثقة به و الاتكال عليه ، و ليس وساطة رجل الدين الذي لا يمكنه أن يتدخل في القدر الإلهي ، و لا شأن له بعالم الجزاء و العقوبة الذي هو من محض اختصاص الخالق . أما المحور الثاني فيتعلق بالتمييز اللوثري الشهير بين «لاهوت التمجيد» و«لاهوت الصليب»؛ أولهما يقوم على البحث عن معرفة الله من خلال الطبيعة و الصفات بالرجوع إلى المقولات الفلسفية (الجواهر و الطبائع) فلا يصل إلى نتيجة ، بل يظل حبيس التصورات الخيالية و النفسية التي لا تتفق مع حقيقة التعالي الإلهي و المغايرة المطلقة مع المخلوقات ، في حين أن «لاهوت الصليب» يركز على علاقة الظهور و الانكشاف و التجلي التي لا يمكن أن تنقل إلى المقولات العقلية و البراهين الصورية ، بل شرطها هو الإيمان من حيث هو هبة إلهية تدشن أفق المعنى و الفهم قبل التعقل و الاستدلال و البرهان (لا يختلف هذا الرأي كثيراً عن المذاهب الصوفية و العرفانية الإسلامية ، خصوصاً مدرسة الإشراق بجذورها الفلسفية السينوية و خلفياتها في تصوف ابن عربي). إن هذا التمييز بين المعرفة و الاعتقاد سيكون له أثر كبير في الفلسفة الغربية الحديثة ، و قد وصل ذروته لدى كانط الذي أكد في مشروعه النقدي أن التجربة الدينية لا محل لها في مجال المعرفة المحصور في الطبيعيات ، بل في العقل العملي الأخلاقي الذي يقتضي الإيمان بالمطلقات الدينية . أما المحور الثالث فيتعلق بالانتقال من النموذج التفسيري للنص الديني إلى النموذج الروحي بلغة لوثر . النموذج الأول كما كرسه التقليد التفسيري يقوم على فهم النص وفق دائرة تأويلية رباعية هي الدلالة السياقية و الدلالة المجازية و الدلالة الاعتبارية و الدلالة القصدية ، في حين يتبنى الخط الإصلاحي مفهوم التأويل الصادر عن التجربة الروحية العميقة ، أي ربط الدلالة بالموقف الوجودي و النمط المعيش الحي بدلاً من سجن النص في سياقه التاريخي الأصلي ، و بهذا يكون النص ليس كلام الله الحرفي ، بل ما أراد الله قوله من خلال الكلمة الحية المعروضة للفهم و الاستبطان . و من الجلي أن هذا التصور هو الخلفية العميقة للتأويليات المعاصرة من شلايرمخر إلى بول ريكور ، فلا خلاف أن الفلاسفة و اللاهوتيين البروتستانت هم أساتذة الهرمنوطيقا الحديثة . تلك حقيقة نادراً ما يتم الوعي بها لدى أولئك الذين يريدون بناء تأويلية إسلامية جديدة وفق هذا النموذج دون إدراك خلفياته اللاهوتية العميقة ، حتى و لو كانت أوجه التشابه مع بعض التقاليد التأويلية الإسلامية التراثية بادية للعيان .

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 0 والزوار 12)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الخطاب الديني ... شهادة «تشخيص الصحوة» البرواز و الصورة المنتدى الاسلامي 0 03-02-2018 12:10 AM
مارتن لوثر و الإصلاح الديني الكبير البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 24-12-2017 03:07 PM


الساعة الآن 01:41 PM