العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الثقافي
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-04-2016 , 10:32 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,360
أخر زيارة : يوم أمس 07:43 PM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon37 جورج طرابيشي : باحث في الماضي لأجل المستقبل



حميد الكفاني

استحوذ جورج طرابيشي على اهتمام معظم المثقفين العرب منذ ثلاثة عقود على الأقل ، و كان بين قلة من المفكرين العرب الذين يشعر المرء عند قراءته كتاباتهم بأنهم يقدمون الحقيقة مجردة من الانحياز الأيديولوجي . عند قراءة كتابات طرابيشي عن الإسلام يكاد المرء ينسى أنه نشأ مسيحياً و أن اسمه جورج لعمق إلمامه بالإسلام ديناً و تأريخاً و حضارة و شخصيات و مذاهب ، و حرصه على تقديم الحقائق مجردة من الانحياز إلى قرائه العرب و معظمهم من المسلمين . لقد شخص طرابيشي بدقة علة التأخر في العالم العربي ألا و هي التعلق بالتراث الديني و إضفاء القدسية عليه و عدم القدرة على مغادرته إلى الحداثة ، و قد حاول أن يجد مخارج لهذه المتاهة التي لم يستطع العرب الخروج منها حتى الآن ، فطفق «يحفر» في كتب التراث الديني و يحللها حتى تجاوز عدد كتب التراث التي قرأها و حللها كلياً أو جزئياً الألف كتاب ، بما فيها موسوعات مثل «بحار الأنوار» للمجلسي المكون من 110 أجزاء ، و تاريخ ابن عساكر ذي الثمانين جزءاً ، و كتاب «الأغاني» للأصفهاني ، ناهيك عن كتب الصحاح كالبخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و أبو داود و ابن ماجة . و مع كل هذا الجهد الهائل فإن طرابيشي يؤكد أن التراث العربي هو «حقل لم يفلح بعد» و أنه يتمنى لو كان بدأ بدراسته في مرحلة الشباب «لكان قد توصل إلى أكثر مما توصل إليه». يرى طرابيشي أننا «أمة تراثية» و أن العقل العربي مشدود إلى الماضي «بألف آصرة و آصرة» لذلك نحن في حاجة الى أن نتحرر من هذه الأواصر لأننا «بين ضفتي نهر» الضفة الأولى هي الحداثة و نجاحاتها و الثانية هي التراث الإسلامي ، و «لا يمكننا إلا أن نسبح بذراعين ممتدتين في الاتجاهين المتقابلين»، و علينا ألا نسمح للتراث بأن يجرنا إلى الوراء بل يجب أن نتخذ منه عتلة للقفز إلى الأمام . لم يترك طرابيشي حادثة تاريخية مؤثرة لم يدرسها ، فمن خلافات المسلمين الأولى و حروبهم الداخلية كصفين و الجمل و النهروان إلى مقتل الحسين و كيف أثر ذلك في المسلمين الذين انقسموا إلى شطرين بسبب عقدة الذنب التي ولدها عند قتلته لأنهم قتلوه ، و عند من تقاعسوا عن نصرته لأنهم لم ينتصروا له ، إلى الفتوحات الإسلامية ثم الخلافات المذهبية ليس بين السنة و الشيعة فحسب بل حتى بين أتباع المذهب الواحد . و إلى جانب الترجمات الكثيرة التي أنجزها طرابيشي خصوصاً ترجمته أعمال فرويد و سارتر و هيغل إلى العربية ، فإن أهم كتبه هو سلسة «نقد نقد العقل العربي» التي رد بها على المفكر المغربي محمد عابد الجابري الذي أدخله إلى علم الأبستمولوجيا ، إلا أن الرجلين اختلفا بعد أن اكتشف طرابيشي خللاً منهجياً في أبحاث الجابري المتعلقة بمشروعه «تكوين العقل العربي» و كيف أنه جمع معلوماته «من القواميس» و ليس من مصادرها الأساسية . و يتهم طرابيشي الجابري بأنه يدخل الأيديولوجيا في الأبستمولوجيا «كخلية نائمة» و اعتبر ذلك خللاً و خطراً لأن البحث العلمي يجب أن يخلو من كل صنوف الانحياز . و بينما كان نقد طرابيشي للجابري يستند إلى الأدلة ، كشف رد الجابري عليه عن مكنونات لديه لم تكن واضحة من قبل . فبعد صمت دام سنوات اتهم الجابري طرابيشي بأنه «ناقص تراثياً و دينياً (كونه مسيحياً) ، و أن نقده قاصر لأنه ليس أكاديمياً بل مجرد ناقد روائي لا يرقى إلى مستوى تلاميذه الصغار»! لقد أساء الجابري برده الذي وثقته حميدة نعنع في مقابلة في جريدة «القبس» إلى نفسه و كشف عن جوانب خلل خطيرة في شخصيته ، فإلى جانب كونه متعالياً على نقاده و منتقصاً منهم حتى و إن كانوا في مستوى جورج طرابيشي صديقه الذي روج له و ساعده في نشر أفكاره ، فإنه كشف عن طائفية و انحياز خطيرين كان طرابيشي قد حذر منهما و اعتبرهما مكامن خطر في أبحاثه . لم يتأثر طرابيشي بنقد الجابري له بل ربما انتفع إذ زاد من إقبال الناس على كتبه خصوصاً كتابيه «نظرية العقل : نقد نقد العقل العربي» و «إشكالية العقل العربي». كنت حين انتهيت من قراءة كتاب طرابيشي الأول قد دهشت لاهتمامه بنقد أفكار الجابري بدلاً من طرح أفكاره في هذا المجال في معزل عن الجابري ، فكتابه نظرية متماسكة مستقلة و لا تحتاج إلى التعكز على الجابري أو غيره ، إلا أن طرابيشي يرى أن الجابري أخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام العربي و كان من الضروري أن يكشف مكامن الخلل في طروحاته كي لا تعتبر أفكاره التي تفتقر إلى الدقة و المنهجية حقائق علمية . و على رغم أن طرابيشي يعترف بأن الخلافات العربية (التراثية) خيمة لخلافات أخرى سياسية و اقتصادية فإنه يعتبرها حقيقية و مؤثرة في تفكير العرب الذين ما زالوا يتجادلون حول أحداث مرت عليها 1400 عام ، و لا يمكن مغادرة هذا التفكير العربي القاصر من دون التعرف إلى أسباب توقفهم الطويل عند التراث و اعتماده مقياساً للتفكير و الأداء و التعامل مع بعضهم البعض . يميز طرابيشي بين «إسلام التاريخ» و «إسلام الرسالة» و يرى أن هناك انقلاباً حصل لدى المسلمين حينما انتقلوا من «إسلام القرآن» إلى «إسلام الحديث». و لا تسلم الأحزاب التقدمية و الاشتراكية العربية من نقده ، فقد اتهمها بـ «الانتهازية» لأنها لم تصارح جماهيرها «المؤمنة» بل تحاشت الصدام معها . و يعتبر طرابيشي «الإسلام السياسي» هرطقة لا وجود لها في التاريخ ، و يجزم بأن الإسلام في حاجة إلى «الروحنة» و ليس إلى التسييس ، كما يحذر من العودة إلى الوراء بعد أن فشل مشروع الحداثة العربية ، فمجتمعاتنا التي كانت تسعى إلى اللحاق بالمجتمعات الغربية إثر تعرضها لـ «جرح نرجسي» خلفته غزوة نابليون و انكشاف حجم التخلف العربي لم تعد تتحمل رأياً حراً إثر هزيمة 1967 التي أحدثت «رضة» مهدت لـ «ردة» نتج منها انفجار الصراعات الطائفية . لقد تميزت كتابات طرابيشي بالأمانة و بجرأة نادرة قد لا يتحملها بعضنا ، لكنها مصحوبة بتواضع غير مألوف في الأوساط الثقافية . و غياب طرابيشي المبكر يعد ثلمة كبيرة في الثقافة العربية و خسارة إضافية لا تتحملها في زمن الخسائر و الهزائم .

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما هي أشهر كتب المفكر جورج طرابيشي ؟ البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 24-03-2016 08:47 PM
جورج طرابيشي و وحدة الفكر العربي البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 20-03-2016 08:45 PM
وفاة المفكر السوري البارز جورج طرابيشي البرواز و الصورة منتدى الاخبار العربية و العالمية 2 18-03-2016 07:04 PM


الساعة الآن 09:28 PM