مها الشهري
تزايد عدد مستخدمي التدوين المرئي للشبكة الاجتماعية «كيك Keek» حتى بلغ 30 مليون مستخدم ، 58 في المئة من المستخدمين من منطقة الخليج ، ويشغل السعوديون في استخدامه نسبة 44 في المئة ، كما أفادت الإحصاءات ، وتقوم فكرة التدوين من خلال هذا الموقع على تسجيل مقطع فيديو لا يزيد طوله على 36 ثانية ، ما يسهل على المستخدم تحميله ونشره من خلال الهواتف المتنقلة ، وهذا ما جعل البعض يسميها «تغريدة مرئية» على ثقافة الاستخدام لموقع «تويتر». ولو نظرنا للمواد المطروحة وقيمتها ، بحسب الإحصاءات أيضاً ، لوجدنا أن المواد التي يتم تداولها بهدف التعري والرقص والإثارة بلغت أكثر من النصف ، وقد وصلت إلى 52 في المئة من إجمالي المواد ، بينما 34 في المئة هدفها الاستهتار والسخرية ، و12 في المئة عديمة الفائدة ، وكل هذا بمقابل 2 في المئة فقط من المواد المفيدة.
لا شك أن هؤلاء المستخدمين يسعون دائماً في التعبير عن أفكارهم ، وربما يطرح الفرد أفكاره ليس تعبيراً عنها فحسب إنما يبني فعله بحسب توقعاته لرد الفعل من المتابعين قبل أن يفعل الفعل ، غير أن حرية الاستخدام لهذا التطبيق عكست مدى السطحية وتدني المستوى العقلي الذي يفكر به الكثير منهم ، وبالتالي فإن المتابعين والمتجمهرين حول هذا الطرح أيضاً يكرسون هذه المشكلة ، وهذا ناتج عن الفراغ الذي يملأ حياتهم ، والسؤال عما يفتقده الفرد ، وكيف يبحث عن تحقيق ذاته من خلال هذه التعبيرات التي يصورها وينشرها بين الناس ، ويمكن القول إن قضية «تحقيق الذات» الذي يجعل الإنسان يسأل نفسه عن الهدف الذي أوجد من أجله ، هو من أهم الحاجات الضرورية في البناء الاجتماعي ، في حين أن الشباب يمتلكون نسبة كبيرة من الطاقة ، وما يؤسف أن يكون تفريغها رهن العشوائية !
من المعروف أن السلوك الإنساني سلوك هادف ، ولو تنوعت نتائجه ، ومبدأ الحاجات الإنسانية وسعي أفراد المجتمع بشكل دائم لأجل إشباعها يمثل الركن الأساسي في محاولة فهم ديناميكية السلوك الإنساني ، غير أن قضية تقويم هذا السلوك شغلت الباحثين في المجال النفسي والتربوي والاجتماعي ، وذلك بطريقة الحث الدائم للتوصل إلى الأسباب التي تدفع الأفراد لنهج سلوك معين والامتناع عن أنماط أخرى من السلوك ، فهذه الدوافع مثيرة للنشاط العقلي والحركي ، فإذا كان مستخدم «keek» يجد تفاعلاً لفعل التعري مثلاً فسينسى نفسه وسيكرس طاقته ونشاطه في الاستمرار على فعل ما يفعله ، لأنه لم يتوصل إلى القيمة الإنسانية التي يجب أن يكون عليها ولا يجد طريقة لتحقيق ذاته . تطبيق «keek» ليس إلا صورة وأداة تعبير عكست عاهات المجتمع الفكرية ، ومقدار المعاناة التي يعاني منها الشباب والفتيات ، فنحن كمجتمعات تمتلك المصادر والثروات نكاد لا نذكر بين الشعوب بسبب غياب دور الشباب ، فمسألة التقدم في المجتمعات المتطورة ليست مرهونة بثروة المجتمع ، إنما بحركة الأفراد فيها ، وحسن الاستغلال للثروات ، من خلال خلق الكفاءة وحسن التعليم ومستوى القدرة على توظيفه بالشكل المناسب ، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بوجود الدافعية لدى الأفراد لأجل العمل.
وأخيراً ، فإن مفهوم تحقيق الذات يقع بين أمرين ، أولهما الفرد نفسه وما لديه من إمكانات ، وبين المؤثرات البيئية المحيطة به ، فتحقيق الذات يشمل تكامل الشخصية لدى الفرد في ضوء هذه المؤثرات ، وينعكس ذلك بمدى استجابة الفرد بتأثيراتها ، بالتالي فإن السطحية التي يعبر بها الكثير من الناس عن أنفسهم لا تحقق الوجه المطلوب في تكامل الشخصية لدى الفرد ، ولا يتم تحقيق الذات بالسلوك الغريزي الذي يظهر الإنسان كالحيوان ، والمهم أن تظهر مجتمعاتنا أكثر وعياً ونجعل من التقنية وسيلة معرفية ومفيدة ولو عبّرت عن مضامين ساخرة للترفيه فلا بأس ، ولكن المهم أن تعبر عن هدف ذي قيمة لا تصل إلى هذا الحد من السخف.
*نقلا عن صحيفة "الحياة" اللندنية.
تعليق : هل تتفق أو تختلف مع هذا الرأي في موقع كيك ؟