علي سعد الموسى
هل بإمكاني ككاتب (سنوي) أن أستعيد من الأرشيف نفس المقال الذي أكتبه في مثل هذا اليوم من العام على أبواب اليوم الأول من العام الدراسي ؟ نعم ، سأعترف بصراحة أنني أكرر ذات مقالي بذات الفكرة عن المساء الكئيب الحزين في وجوه آلاف الأطفال و الشباب عن (غد) المدرسة و الجامعة . أكررها لسبب بسيط منذ سنوات : لأن بيروقراطية المدرسة و رتابتها تكرر نفسها كل عام دون جديد . دون أن نتدارك لندرك العلة الدائمة في السؤال : لماذا يكره أطفالنا المدرسة ؟ كل ما تغير في المقال و الفكرة هو (اليوم) في رأس العنوان حين يصبح السبت الحزين بدلاً من الجمعة ، متبعاً لقرار تغيير الإجازة الأسبوعية . كيف ابتدأت لدي فكرة سنوية للعنوان بعاليه ؟ الجواب يعود إلى منتصف العام 2008 حين نشرت مجلة (المعرفة) ، المطبوعة الأساسية الرسمية لوزارة التربية و التعليم تحقيقاً رشيقاً طويلاً عن نماذج من هذا العالم لعلاقة الطلاب بمدارسهم بمعيار النسبة المئوية للحب أو الكراهية . و خذ من المدهش في المفارقات التي تقرؤها في ذلك التحقيق الجميل هذه المعلومات المثيرة : في اليوم المفتوح ، ليوم السبت من الإجازة الأسبوعية في كوريا الجنوبية ، يعود للمدرسة أكثر من 70% من الطلاب في تفضيل للمدرسة على الإجازة ، و يطلب معظم هؤلاء الطلاب الانتظام في برامج التأهيل البدني و النفسي الشاق ليوم هو أشبه بالمعسكر ، و لكنهم يرون فيه متعة تفوق متعة الأيام الدراسية الخمسة السابقة . في اليابان تبلغ نسبة غياب الطفل عن مدرسته الابتدائية في العام الواحد أقل من 2% ، و هذا يعني أن الطالب قد لا يغيب سوى أقل من أربعة أيام من مئتي يوم دراسي . في ذات التحقيق المثير، تشير القصة إلى أن وزير التعليم الماليزي في الثمانينات ، توانكو غلام شاه ، قد أدرك كارثة الكراهية في سؤال (الطالب و المدرسة) لينزل بأسطول بحثي من خبراء التربية العالميين إلى قلب هذه المدارس ثم يخرج منها بالمعايير الماليزية الشهيرة الأربعة التي تحدد شكل و جوهر العلاقة في هذه المتلازمة ما بين الطالب و المدرسة و معيار الحب و الكراهية . وجدت ماليزيا أن حجم الترفيه و مساحة الطالب في المدرسة ، و مقدار العبث الدراسي و عدد الحصص ، و أيضاً نوع المناهج و حجمها ، إضافة إلى معيار الابتكار و الإبداع مقابل الحفظ و التلقين ، هي الأسباب الأساسية لإعاقة مسيرة التعليم الماليزية . و من 70% في نسبة الكراهية للمدرسة في ماليزيا في أوائل الثمانينات إلى ذات النسبة في الحب يوم نشر التحقيق المثير ، المشار إليه آنفاً ، و قد لا يعلم البعض أن العطلة الصيفية في دولة مثل ماليزيا هي في شهري (ديسمبر و يناير) و من الدهشة في المفارقة أن هذين الشهرين يستقبلان في المدارس أعدادا تفوق أعداد الطلاب في أيام العام الدراسي عطفاً على برامجها التربوية المذهلة التي تتحول إلى أيام تدريب وورش عملية و إلى ارتباط بالحياة الصناعية و التأهيلية و أفكار العمل العام التطوعي . و الخلاصة : أن دولة مثل ماليزيا قد أعطتنا و بالمجان حقائق أهم المعايير التي تزرع الحب أو الكراهية في العلاقة ما بين الطالب و المدرسة ثم اختصرتها في أربع جمل واضحة . و من المفارقة المضحكة أننا كتبنا كل هذه التجربة الفريدة في المجلة الرسمية لوزارة التربية و التعليم ، و نحن لا نحتاج إلى أن نصرف ريالاً إضافياً على البحث و الاستقصاء كي نفهم أغوار و أبعاد أخطر مشكلة في حياتنا الوطنية العامة : إن لم يكن التعليم هو الحب فما هو مستقبل أي مجتمع ؟ في المقابل يقول التحقيق الذي نشرته هذه الصحيفة قبل فترة طويلة إن الطالب السعودي يغيب ما يقرب من 65 يوماً في العام الواحد ، و أنه يلغي أسبوعاً كاملاً قبل الإجازات الوطنية الثلاث في العام الدراسي . لكننا عبر كل هذه العقود الطويلة لم نتصدَ في المطلق لأخطر الأسئلة : لماذا يكره طلابنا مدارسهم ؟ لم نفعل شيئاً أمام الخطأ التربوي الذي يقول إن 35 حصة دراسية في الأسبوع كارثة تربوية . لم نحاول أن نقرأ الحقيقة أن ما بين (15 – 20) مقرراً دراسياً ليس إلا جريمة عقلية . لم نستطع حتى حساب حجم مساحة الطالب في مدرسته . لم نقرأ أن الطالب يقرأ بالحفظ و التلقين ما لا يقل عن 3000 ورقة في الفصل الدراسي .
تعليق : على من يهمة الأمر تدبر هذة المقالة و البحث في التجربة الماليزية حتى لا نعيد اختراع العجلة .