[البرواز و الصورة]

بيتر ميليت

يقول تيم سيباستيان مقدم البرنامج المعروف "هارد توك" على قناة "بي بي سي وورلد"، والذي جاء بنهج منظم للمناظرات من خلال "المناظرات العربية الجديدة": إنّ "حرية التعبير حق تمكيني ولهذا أول شيء يقوم به الديكتاتور هو إخماد هذا الحق". في عمّان ، تناولت هذه المناظرات قضايا عديدة مثيرة للجدل مثل المساواة بين الجنسين وسيطرة الحكومة على الإعلام الإلكتروني والأحداث الأخيرة في مصر. و لقد كانت المناظرات في اللغتين العربية والإنجليزية حيث استطاعت جذب جمهور واسع ومتحمس. الهدف الأساسي هو احترام الآراء المختلفة وجعل الناس يستمعون لبعضهم البعض ، و فهم أعمق بأن لديهم دورا في الحياة السياسية. وكما يقول تيم : "ليست هناك فلسفة مزهرة ولا دروسا في التاريخ ولا رحلات فكرية من الخيال". فهو يفضل أن يكون السياسيون والمسؤولون وقادة الفكر على استعداد للمشاركة في مناظرات صعبة لا مجال للتنازلات فيها. الدافع الرئيسي وراء "المناظرات العربية الجديدة" هو ترويج الديمقراطية ، إذ إن الجزء الأساسي لأي ديمقراطية هو حرية التعبير المعترف بها عالمياً كحق أساسي من حقوق الإنسان في أي ثقافة أو نظام سياسي. السياسة ليست مجرد رياضة المشاهد أو المراقب فهي لعبة صعبة و على الفريق الحكومي أن يستمع إلى كل من مناصريه و معارضيه. جميع المواطنين لهم مصلحة في معالجة القضايا الجدلية ، و في الشرق الأوسط المواضيع الأكثر جدلا هي الإصلاح الاقتصادي والمشاركة السياسية ، أما في أوروبا فتتمحور القضايا حول مستقبل الاتحاد الأوروبي والهجرة.

تؤثر كيفية تعامل الحكومات مع هذه القضايا على الجميع ، ولذلك من واجب القادة أن يستمعوا لما يريده المواطنون الذين لديهم الحق في محاسبة هؤلاء القادة من خلال طرح الأسئلة عليهم. لإدراك أهمية المناظرة علينا فقط أن ننظر إلى البديل ، فهناك أمثلة عديدة في التاريخ عن حكام مستبدين طالبوا بالولاء الأعمى لحكمهم وعدم قبول أي انتقاد ، كما طالبوا بالقضاء على المعارضين وحبسهم ، النتيجة هنا هي عدم مساءلة الحكومة ونظام يولد الفساد ويلجأ إلى العنف. البديل هو مجتمع منفتح يرحب ويشجع المناظرة كوسيلة صحيّة لمناقشة الأفكار. ينبغي ألا تحكم أي حكومة ديمقراطية دون الاستماع إلى الشعب . إن معظم قضايا الحياة اليومية يكون لها تأثير على عامة الشعب : مثل الأسعار التي يدفعونها للحصول على الخبز وعلى الطريقة التي يتم بها تعليم الأطفال وعلى كيفية معالجتهم في المستشفيات. من المنطق الاستماع لما يقولونه في مثل هذه القضايا وتحفيز أفكارهم وإدارة توقعاتهم. الناس الذين يعملون بالمقدمة هم على دراية ومعرفة أكثر بكثير مما تعرفه الحكومة المركزية عن كيفية عمل نظام التعليم أو الصحة . لذلك ينبغي على الحكومة المركزية تعزيز المناظرة حول الاتجاه نحو التغير وتحديث تلك الخدمات. ستولد المناظرات حتما آراء متعارضة وهذا أمر صحي ، فالمناظرة ليست الفوز بالتصويت عند الانتهاء وإنما هي التطرق والوصول الى صلب الموضوع ، و لا بد أن يخلق النقاش توترا بنّاء يمكن أن يولد أفكارا جريئة. هذه العملية ستساعد الناس على تقدير مجموعة كاملة من العوامل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في أي مسألة : ربما هناك ارتفاع في التكلفة أو ربما يكون هناك ضرر على البيئة. في بعض الحالات يمكن للمناظرات أن تجعل أولئك الذين في موقع السلطة يعيدون التفكير بالأمور والطرق التي يحبذونها. لقد حضرت مناظرات في أماكن مختلفة في الأردن و من بينها مناظرة ناقش فيها فريق من الشباب مزايا الطاقة النووية. شارك الجميع في المناظرة – بمن فيهم الجمهور – بطريقة منضبطة و قاموا بحشد حججهم والإجابة على نقاط خصومهم واستطاعوا إدخال الشغف والصبر في موضوع مثير للجدل.

تم تدريب كلا الفريقين ضمن منهج المناظرة كجزء من برنامج يديره المجلس الثقافي البريطاني في عمّان ، حيث تم التركيز خلال هذا البرنامج على تشجيع المناظرات في المدارس خصوصا للشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة. تدير السفارة البريطانية في عمّان برامج مماثلة لمساعدة الشباب على التعبير عن أفكارهم و آرائهم بحرية بشأن القضايا التي تؤثر على حياتهم. إدخال مبدأ المناظرات في المدارس يعد أمرا جيدا لنمو ثقافة حرية التعبير بحيث يمكن تعليم الطلاب مهارات قيّمة لمستقبلهم العملي مثل أهمية التحضير المسبق وتحديد النقاط الرئيسية بطريقة بسيطة ومنطقية وتوقع الحجج المعاكسة. لقد أظهر جيل الشباب هذا رغبته بالإصلاح في العالم العربي خلال السنوات الثلاث الماضية ، فهو يريد أن يكون جزءا من التغيرات السريعة والأساسية التي تجري بشكل مستمر. تساهم "المناظرات العربية الجديدة" في هذا التغيير من خلال توفير منصة قوية ومستقلة لتحديد التيارات الرئيسية للآراء وعرضها للتحليل والفحص. هناك قول مأثور يصب في قلب هذا الموضوع وهو أنه : من الأفضل مناقشة المسألة دون تسوية بدلا من تسوية المسألة دون مناقشة.

*الكاتب هو السفير البريطاني لدى الاردن