عباس الطرابيلي
أتفق تماماً مع ما كتبه نيوتن من أننا يجب ألا نتعامل مع الأحداث التاريخية كثوابت لا يمكن المساس بها . و إلا فسوف ندور فى نفس الحلقة المفرغة و لا نتعلم ، بل لابد من مراجعة التاريخ و الاستفادة من تجارب الأولين . و هى الوسيلة الوحيدة لمخاطبة المستقبل و التخطيط من أجل ما هو أفضل . و هنا نقول إنه بدون هذه المراجعة نظل أسرى القديم و لا نتقدم . مثلاً , هل كان قرار عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس سليماً , بل واجباً قومياً ؟ خصوصاً أن القناة - طبقاً للامتياز الذى حصل عليه ديليسيبس - كانت ستعود لمصر فى نوفمبر 1968 أى بعد 12 عاماً فقط من قرار التأميم ، و بذلك كنا نجنب مصر أهوال العدوان الثلاثى الذى وقع بسبب هذا التأميم سواء من ناحية الشهداء و تدمير أحدث مدن مصر : بورسعيد و الإسماعيلية و السويس أو من ناحية الخسائر الاقتصادية . حقيقة كانت للقرار آثاره السياسية التى هزت العالم ، و أحدثت زلزالاً فى المنطقة كلها و أشعلت الشعور الوطنى . و لكن لو وضعنا إيجابيات القرار و سلبياته فى الميزان ترى ماذا كان سيحدث ؟ أم هو البحث عن المكسب الشخصى الذى ناله الزعيم و رفعه عالياً وسط شعوب العالم حتى إن خسرت مصر الكثير ؟ أقول ذلك رغم أن فؤاد سراج الدين - الزعيم الثالث تاريخياً للوفد - كان يغلب الجوانب السلبية التى وقعت على جوانبه الإيجابية ، خصوصاً أن مصر كانت تحلم بإعادة بناء الوطن . و كان من نتيجة القرار كل تلك السلبيات التى أدخلت مصر فى طريق يبعدها عن حلمها بإعادة البناء . و نفس الموقف من قرار إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية , هل كان قراراً إيجابياً فى مصلحة الوطن «مصر» و الوطن الأكبر كل المنطقة العربية ؟ أم أن هذا القرار كانت تسعى إليه إسرائيل و تتمناه لكى تضرب مصر و تدمر مقاومتها أى قدم عبدالناصر - هذا المبرر - لإسرائيل على طبق من ذهب و كان ما كان من ضياع الكثير . بل قبولنا مرغمين كثيراً من التنازلات التى مازلنا و مازالت المنطقة كلها تعانى منها , و كل ذلك بسبب عدم دراسة تبعات هذا القرار من كل جوانبه . و انساقت الجماهير بعواطفها كاملة - دون أن ندرى أن القرار سيدمر الكثير فى مقدمتها عائدات قناة السويس و إجهاض كل محاولات البناء و التنمية . و توجيه كل الإمكانيات لخدمة تحرير الأرض التى وقعت تحت الاحتلال فى مصر و الأردن و سوريا . و الأهم الشعور بالمهانة القومية رغم كل ما صفق له «الإعلام المصرى» عندما صدر قرار إغلاق الملاحة ، أم أننا نصدر القرارات «السياسية» دون أن ندرس أبعادها الاقتصادية و العسكرية و النفسية ؟ فكان أن دفعنا و مازلنا ندفع ثمن قرار لم تتم دراسته كما يجب . و تأكدنا - بعد ذلك - أن إسرائيل ما كانت تتمنى أكثر منه !! إذ كانت تعرف قوتنا الحقيقية و واثقة من قوتها الفعلية . أما نحن فلم نكن نعرف قوتنا و كنا نجهل قوتها و يكفى تعبير «برقبتى يا ريس» الذى أعلنه المشير عبدالحكيم عامر فكانت أبشع هزيمة لمصر من عدة قرون . و حتى لو حاول «نيوتن» فى مقاله الأحد الماضى أن يبرر الأعذار للرئيس عبدالناصر , و أنه لم يتعلم من أخطاء هتلر الذى وقع فى نفس خطأ نابليون بغزو روسيا و دفع كلاهما الثمن فكانت هزيمة نابليون و هتلر ساحقة و بداية لسقوطهما لنفس السبب : و هو عدم الدراسة من التاريخ . و إذا كان نيوتن يدافع عن عبدالناصر الذى انحاز تماماً للبسطاء و وصفه بأنه بطل حقوق الإنسان المصرى و العربى , فإنه ينسى هنا أن الإنسان المصرى لم يتعرض للقهر شديد البشاعة طول حياته كما تعرض فى عصر عبدالناصر , حتى كان الابن يكتب - للأمن - التقارير عن أبيه و أمه و إخوته !! و نسى نيوتن أن عبدالناصر أضاع كل ثروة مصر - و لأجيال عديدة - من أجل قضايا خارجية دون أن يراعى أحقية الشعب المصرى - قبل غيره فى ثروات بلاده . وكانت مشروعات و أحلام عبدالناصر تتنافى تماماً مع أحلام كل المصريين . و لكن أخطر ما فى الموضوع هو هذه التابوهات التى تتمسك بالقديم دون أى محاولة للدراسة و الفهم , أو هو سلوك التقية أى الذين يخشون السلطان .