تعنى كلمة ثورة كمصطلح خروج الشىء من وضعه الراهن إلى وضع آخر مختلف قد يكون أفضل وقد يكون أسوأ . أى أنها تعنى حدوث تغييرات جذرية وأساسية فى مجال من المجالات كالعلم أو السياسة أوالفكر .
ويتناول المؤلف غوستاف لوبون فى كتابه روح الثورات والثورة الفرنسية موضوع الثورات العلمية قائلا:إن الثورات العلمية من أكبر الثورات أهمية ، ومع أنها لا تستوقف النظر كثيرا . ولكنها فى الغالب ذات نتائج بعيدة ، لا تأتى بمثلها الثورات السياسية . ويرى المؤلف أن ليس كل تطور علمى جدير بأن يأخذ لقب ثورة . وانما من أمثلة التطورات العلمية التى حدثت فى العالم وأدرجت فى نطاق الثورات العلمية منها مثلا : آراء داروين التى قلبت علم الأحياء فى بضع سنين رأسا على عقب . واكتشافات باستور التى قامت بتحول كبير فى علم الأحياء الدقيقة فى الطب . والآراء الخاصة بإنحلال المادة التى أثبتت أن الذرة لا تشذ عن القواعد التى تقضى على جميع عناصر الكون بالفناء .
بدأ ظهور رحلة الثورات العلمية فى أوربا بداية من القرن 17 والتى فيها اكتشف العالم الإنجليزى وليم هارفى الدورة الدموية.واكتشف الهولندى أنطونى فان ليفنهوك الكائنات الدقيقة من خلال أول مجهر ضوئى قام بإختراعه.ووضع العالم الأيرلندى روبرت بويل الكيمياء الحديثة . وفى فرنسا وضع رينيه ديكارت أسس علم الرياضيات ووضع المذهب العقلى فى التفكير.
ولكن كان أعظم إنجازات العلم فى القرن 17 عندما استطاع الفيزيائى إسحق نيوتن عام 1965م وضع نظريات عن طبيعة الضوء والجاذبية الكونية . وفى عصر التنوير فى القرن 18 ، بين نيوتن أن الطبيعة محكومة بقوانين أساسية تجعلنا ننهج المنهج العلمى . وهذه الطريقة فى التفكير هى التى حررت علماء هذا القرن فى أوربا . وجعلتهم يقتربون من المنهج والتفكير العلمى ، والاعتماد على المشاهدة والتجربة ومن ثم الإستنتاج . وذلك لأن هذه الإكتشافات حررتهم من آثار السلطة الكنسية ومحاكم التفتيش فى العصور الوسطى .
ولأن التطور وقتئذ قد طال كل شىء . فلقد كان لعلوم الأحياء نصيب من هذا التطور . حين صنف العالم السويدى كارولوس لينيوس 12 ألف نبات وحيوان حسب الترتيب للصفات . وفى سنة 1700م صنعت أول آلة بالبخار . وتطور التلسكوب ، ليكتشف به الفلكى الإنجليزى ويليام هرشل الكوكب أورانوس عام 1781م .
ولقد افتتح القرن 18 فتوحاته العلمية بأول ثورة صناعية عرفها العالم،فلقد ظهرت ثورة الآلة فى مضاعفة الإنتاج الصناعى .. ومنذ القرن(19) انتهج العلم طريق المعرفة فى شتى فروعه .. ففى الكيمياء وضع الكيميائى الإنجليزى جون دالتون النظرية الذرية عام 1803م .. ثم جاء ديميترى مندلييف ليعيد استخدام اكتشافات دالتون للذرات وسلوكها فى رسم جدوله الدورى الشهير،الذى رتبت فيه العناصر عام 1869م . كما شهد القرن 19 أيضا تخليق الأسمدة الصناعية عام 1842م بإنجلترا , علاوة على أنه أمكن تصنيع مئات المركبات العضوية بتخليقها من مواد غير عضوية ، ومن ثم صنعت مواد كالأصباغ والأسبرين .
وخلال القرن 19 ودخول أوربا العصور الحديثة . تطور علم الفيزياء تطورا جديا . فخرجت أبحاث فى مجالات الكهرباء والمغناطيسية ، والتى قدمها كل من مايكل فاراداى وجيمس كلارك مكسويل فى بريطانيا . فلقد أثبت فاراداى فى عام 1821م ، أن المغناطيس المتحرك يولد كهرباء فى الموصلات(الأسلاك) . أما مكسويل ، فقد بين أن الضوء ما هو إلا طاقة من موجات كهرومغناطيسية.
وفى هذه النقطة ، يتحدث عالم الفيزياء النظرية ميشيو كاكو فى كتابه (كون أينشتين) عن تجارب كل من مكسويل ونيوتن قائلا : أنه بنهاية القرن 19 بدت نجاحات تجارب كل من مكسويل ونيوتن . حيث أكد بعض الفيزيائيين وبثقة،أن هذين العالمين قد أجابا على جميع أسئلة الكون الكبرى .. لدرجة أن صرح أحدهم ذات يوم،بأن علم الفيزياء قد اكتمل تقريبا . ولم تعد به سوى سحابات قليلة غير ذات أهمية .
ويواصل ميشيوكاكو حديثه قائلا : لكن القصور فى رؤى نيوتن ، أخذ فى الإتضاح عاما تلو الآخر . فاكتشافات كالتى حققتها مارى كورى بعزلها للراديوم ونشاطه الإشعاعى ، كانت تهز المجتمع العلمى وتجذب إنتباه العامة . إذ اكتشفت أن أوقيات قليلة من تلك المادة النادرة المشعة تكفى لإضاءة غرفة مظلمة . وأظهرت أيضا أن هناك إمكانية لإنبعاث كميات غير محدودة من الطاقة من مصدر مجهول داخل الذرة . وأن هذا يتعارض مع قانون بقاء الطاقة الذى ينص على أن(الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم) . أما عن تلك السحابات الصغيرة فسوف يتمخض عنها فيما بعد الثورتان العلميتان الكبيرتان فى القرن العشرين . وهما نظريتى النسبية والكم .
فى عام 1889 اكتشف الفيزيائى الألمانى هيزيش هرتز موجات الراديو..والفيزيائى الألمانى وليام رونتجن اكتشف أشعة x عام 1895 . وتوالت اكتشافات جوزيف طومسون للإلكترون..ثم اختراع توماس إديسون للفونوغراف وآلة التصوير السينمائى والمصباح الكهربائى . وهناك الكثير من التحولات والطفرات العلمية فى شتى المجالات التى طفت على سطح الحياة الأوربية،وبدأت معها نهضة علمية وتكنولوجية حقيقية .
وامتدت هذه الغزوات العلمية إلى القرن العشرين،لنجد أن هناك مهندس إيطالى يدعى ماركونى قد أرسل أول إشارات الراديو عبر محيط الأطلسى عام 1901م فكان يوما عظيما فى تاريخ الإتصالات اللاسلكية . ثم المخترع الأمريكى لى دى فورست الذى كان له الفضل فى اختراع كاشف يقوم بتكبير الإشارات محولا موجات الإذاعة إلى موجات صوتية يمكن سماعها وذلك عام 1906م واستخدم ذلك ف تطبيقات كالمذياع والتليفزيون والحاسب . وفى بداية عام 1929م كان الأمريكى فلاديمير كوزما زوركين يتمتع بكامل نظام التليفزيون الحديث وذلك عقب إختراعه لأيقونات الصوت والصورة للتليفزيون ، ولقب بأب التليفزيون الحديث .
إلى أن حلت سنة 1940م ليقوم عالم الفيزياء البريطانى روبرت واتسون ، بإختراع جهاز لمراقبة الطائرات وتحديد مكانها قبل إقترابها بمسافة كافية وأطلق عليه اسم الرادار،والذى ساعد فى إنتصار قوات الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية . وفى عام 1947 اخترع علماء أمريكان الترانزستور الذى يقوم بتكبير الإشارات الإلكترونية وتكمن أهميته فى أن بعض الهواتف المحمولة والتلفاز وعديد من المنتجات،يدخل فيها الترانزستور كمكبر مثل مكبرات الصوت أو معالجة الإشارات .
أما بين عامى 1950 و 1960 ظهرت الكمبيوترات الصغيرة بإستعمال الترانزستورات ، فصغر حجمها ووفرت الطاقة . وفى عام 1973 ظهر أول كمبيوتر شخصى محمول على يد العالم الأمريكى مارتن كوبر .