د. باسم عبود الياسري
طالما دار الحديث حول التاريخ و صدق أو انحياز المؤرخ لما يرويه ، و الكل يدعي الموضوعية فيما يكتب ، غير أننا نجد تناقضا في سرد الحوادث و أسبابها ، و المشكل هنا هو استمرار الخلاف حول بعض نقاطنا التاريخية منذ قرون و ما زالت ، و نحن لا نريد الاتفاق عليها بقدر ما يجب أن نتركها خلف ظهرنا بعد فهمنا لها ، فهذا الخلاف الذي يصل إلينا عبر مئات السنين ، سيضعنا في صراع أو خلاف مع معاصر لنا على حدث جرى قبل ألف عام ، و طالما أرى أن ما نراه لا يعدو أن يكون إلا جزءا صغيرا من الحقيقة ، اقترب الكاتب أو ابتعد كاتبها عنها زمنيا أو مكانيا ، فيبقى الإلمام بها مستحيلا ، ما دام الإلمام بحادث يمر بنا اليوم فكيف بما مر قبل زمن بعيد ؟ وقع بين يدي قبل أيام كتاب يتحدث عن العراق في الأعوام 1958-1963 ، و هي فترة الجمهورية الأولى بعد العهد الملكي الذي انهار عام 1958 لتتأسس الجمهورية العراقية على أنقاض المملكة العراقية . قرأت هذا الكتاب و لا يهمنا هنا مؤلفه أو عنوانه لأننا نتناول مراجعة و لو سريعة لكتب التاريخ من خلاله ، وجدته يتناول أحداثا أدركتها و أنا صغير ، ربما لم أعيها لكني عاصرت ما بعدها و سمعت عنها من مصادر أخرى فضلا عن قراءاتي لها في كتب أخرى . يقول المؤلف أنه لا يتحدث عن تاريخ بعيد و إنما تاريخ عاشه هو نفسه و هو شاب «إنني أجهدت نفسي لتقديم الحوادث كما عشتها دون الرجوع الى مصادر أو مراجع . إنها أحداث يومية عشتها بالمشاهدة أو السماع ، سواء سماع عن طريق راديو أو أشخاص عايشتهم ، أو قرأتها في جريدة أو مجلة» . عند هذا الحد ندرك أن الراوي (المؤلف) كان يعيش تلك الأحداث بالفعل ، و هو هنا يروي لنا رواية العارف ، و يعترف أن ما مر بالعراق في تلك السنوات بحاجة الى كتب كثيرة ليدون . ما يهمنا هنا بعض الحوادث التي مرت بالمؤلف و كنت قد سمعتها من أشخاص ساهموا فيها بشكل أو بآخر ، لكن روايتهم للحدث اختلفت عنه ، فكل راو يروي بانحياز إلى قناعاته هو مهما كان موضوعيا . كانت تلك الفترة من الفترات المشحونة في تاريخ العراق السياسي ، و كانت التيارات المتصارعة بعد انحسار الملكية و أتباعها يتركز بين جهتين رئيستين ، و يتبع كل جهة أحزاب و اتجاهات و شخصيات ، هاتان الجهتان هما الاتجاه القومي و الاتجاه الشيوعي ، و الغريب أن في تلك الفترة لم يكن للتيارات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها حضور ملحوظ في العراق ، و اليوم غاب هذان الاتجاهان أو ضعف تأثيرهما السياسي لصالح الأحزاب الدينية بتنوعها و تناقضاتها ، و لما كان المؤلف – و هو صديقي - و من خلال طرحه عروبي الاتجاه قومي المبادئ ، فلن تتوقع منه إلا أن يكيل التهم و يصب اللعنات على الاتجاه الآخر ، إلا في بعض الحالات و كأنه يريد أن يبين موضوعيته . و الرجل ما زال على قيد الحياة ، و حين يقرأ أي شخص له علاقة بأشخاص تلك المرحلة أو بالعراق لابد أن يكون له موقفا من المؤلف معه أو ضده ، و تلك هي طبيعة البشر . إن التاريخ الشفاهي هو الأكثر حرارة و الأكثر صدقا و متى ما دون برد و خضع للأهواء و الميول عدا عن الإغراءات التي تقدم لتغيير بعض الأحداث . ما أريد قوله إن أحداثا حدثت قبل نصف قرن أو أكثر بقليل تختلف فيها الرواية و ينقسم الناس عليها ، و لابد من الاختلاف في تقييم أشخاص تلك الأحداث . أقول إذا كان الأمر كذلك و لم يمر قرن من الزمان على الحدث ، فكيف بل و لماذا نجد بعض الناس يتعصبون لحدث مر عليه ألف عام ، و في انغلاق فكري و أخلاقي يساء فيه الى المقابل لا لشيء إلا لاختلاف المقابل معنا ، رغم أن المتحاورين لا يملكون غير قناعات ولدتها كتب وصلتهم أو حكايات استقوها من بيئتهم ؟ إننا لا ندعو إلى إهمال التاريخ ، فهو علم قائم مهم و مفيد للشعوب المتحضرة ، و لا ندعو الى عدم الخوض في صراعات الأمس ، غير أن المطلوب هو عدم تقديس الماضي ، و يجب معالجة الأحداث على أنها مرت و انقطعت صلتنا بها ، و علينا أن نبني مجتمعا متسامحا متنورا لا يبني أفراده خصوماتهم على أحداث سابقة ، و أن يسعى المؤرخون الى بث روح الأمل و بعد النظر في دراسة المجتمع و أحواله .
تعليق : اتفق مع فكرة المقال و خصوصا" الفقرة الأخيرة , كفاية احقاد و عصبية مدمرة للحاضر و المستقبل بسبب عداوات مالها داعي حدثت في الماضي . كل واحد إيعبد ربه بالطريقة الي إيشوفها و خلو الحب و التسامح إيعمر قلوبنا بدل الحقد و الكره الي ضرره على الطرفين بسبب تجار الدين الجهلة , لانه لو ماكانو جهلة كان عمرو قلوب الناس بالحب و التسامح بدل الحقد و اقصاء الأخر . اسمه دين الاسلام و تحيته السلام و هولاء خلوه دين تفجير و قتل على الهوية و لطم و حسينيات في عزاء مستمر منذ الف و اربع مئة سنة ؟ كفاية , اقلبو الصفحة و خلو هذا المقال يفتح بصيرتكم على غد اجمل بعيد عن الكره و ملئ بالحب و التسامح و التعاون و بعد فترة بسيطة راح ترجعون عند خير الحاكمين و تعرفون الحقيقة المطلقة بدل الجدل الي انتو فيه الان الي لا راح إيقدم و لا يؤخر غير خلق العدوات , فليش مستعجلين ؟