ناصر بن جريد مع يحيى فرج المنديل
حاوره يحيى المنديل - لم يكن الشاعر ناصر بن جريد - 1939 - اسماً في الساحة الغنائية و حسب , بل كان أيقونة متلألأة ساهمت في رفعة و رقي العمل الغنائي و تأكيد الكلمة الحرة , ربما ساهم هذا الشاعر بعد اللبنة الأولى في الأعمال الفنية كان منها "سكة التايهين" لمحمد عبده و الراحل سعد ابراهيم و هيام يونس و غيرهم من نجوم الامس و علاقته مع هذه الكوكبة من الملحنين كفوزي محسون و سامي إحسان الذي يعتبره خلاصة و قمة الملحنين السعوديين . تلك المساهمات لم تكن مجرد فوضي شابة يتربع عليها هذا الشاعر الفذ , بل كان رائداً في تحرير الصفحات التي تعتني باللغة الشعبية والشعر كصفحة "سفينة حنان" في مجلة اليمامة السعودية . كان يظن ابن جريد أن المواكبة في نمو الثقافة الفنية مع جزء من الرياضة هي شيء من الرقي و الفكر للشاب السعودي حيث كان معبراً عنها في إدارة نادي الهلال منذ تأسيسه . لم يترك العشق الأبدى و مزاولة الشعر فقد انتج من الدواوين "أمل باكر" و تغنى من أعماله كبار المطربين السعوديين و العرب , قد تكون أشهرها "سكة التايهين" و التي لحنها طارق عبدالحكيم و"الليل أبو الأسرار" لعبد الله رشاد , و للوطن الكثير منها "سور البلد عالي" لمحمد عبده و "يا أبو البلد" للراحل طلال مداح . في ذاكرة ناصر بن جريد أحداث كثيرة طوال هذه الفترة تجلى لاعادتها مختصراً عمق التاريخ الذي يختزله في العمل الفني على مد تاريخ بنائه في السعودية . تحدث عن علاقته مع طارق عبدالحكيم بعد أن استمدها من ذاكرته الجيدة ؟ قال : أن العميد طارق عبدالحكيم هو احد ابناء الطائف - مدينتي - كان حينها مسؤول عن موسيقي الجيش و يعتز بهواية الفن , من المؤكد أنه يكبرني في السن لكن كنا "متعلقين" بشخصيته .! كانوا قلائل الذين يشدون بالأغاني القديمة هو منهم . طارق بدأ التلحين مبكراً كانت صداقته مع ابراهيم خفاجي - عافاه الله - هي مفتاح اغانيه , و ايضاً مع الشاعر الراحل محمد الفهد العيسي الذي لحن له "لك عرش في وسط العين" و "معبد الحب" و "عند النقى ويلاه" و الاغاني القديمة التي اشتهر بها طارق عبدالحكيم و اغنية "أبكي علي ماجرا لي" للفنان الشاعر محمد بن ناصر السويلم , ثم طور هذه الاغاني و استطاع ان يغنيها بالحفلات . في تلك الرحلة الطويلة تبقى ذكريات طارق عبدالحكيم معي كثيرة , أهمها تبنيه للمواهب و انشاء موسيقى الجيش الذي أنتجت العازفين "ثواب العبيد و عبدالله طويلي و عبدالله ماجد" و غيرهم . في تلك الفترة التحق بالخفاجي و بدأت رحلة الأغاني "يالابس الاحرام". العلاقة بين الرائدين في نظر ناصر بن جريد كثيرة و مؤثرة .. عندما تقاعد طارق من الجيش مدد خدماته مع الحرس الملكي و انتقل الى الرياض و سكن فيها , هناك في شارع - الخزان - عمارة النور استقر و كانت مجمعاً للفانين و الموسقيين , كان أحد رواد منتداه بجوار نادي الهلال الخفاجي و الفريق هاشم عبدالرحمن مدير الدفاع المدني آن ذاك و مجموعة كبيرة , البدايه كانت بينهما في "سكة التايهين – 1964م" في نفس الوقت قدم له الخفاجي "لنا الله" و"حينما فكرت في روحي" لحنت و سجلت في منزله . استمد ناصر بن جريد تلك الذكريات في حديث عفوي , قال عنها : "كان محمد عبده يأتي الى منزله و يختار من الأشرطة لأن طارق عبدالحكيم إذا نفذ اللحن و سجلة يضعه في المكتبة و لايغنيه . محمد عبده كان ذكياً يختار ما يناسبه من ضمنها "من فتونك و الدلال" و"لاتناطرني بعين" و مجموعة كبيره . أين الكبير الراحل طلال مداح حينها في ذاكرة ابن جريد ؟ يقول عن تلك المشاهدة :" كان طلال مداح اقدم لكنه اختلف مع طارق فنياً ثم التحق بمؤسسة كان يديرها - لطفي زيني - مشكلة طلال مداح انه حبيب و سهل السيطرة عليه لذا انساق خلف لطفي و تلك الجماعة و اصبحنا في معسكرين , من هناك بدأ التنافس فكان هذا من صالح الفن الذي ساهم في تطوير الاغنية . يستذكر أبن جريد تلك المرحلة و نادي الهلال انه دعى طارق عبدالحكيم ان يصبح عضواً في نادي الهلال لنستفيد من خبرته كان لاعب كرة قدم باشبال - منصور بالطايف - و لاعب سلة . في تلك الرحلة أصبح عضوا في نادي الهلال قبل أن ينتقل الي بيروت التي عاش فيها عام أو عامين . تجربة طارق عبدالحكيم ثرية كما يقول ناصر بن جريد حيث لم يقدره أحد , قال : عندما عاد إلى السعودية استقر في جدة و افتتح مكتبته الشهيرة , كان كل الناس تأتي و تسمتد ذكريات طارق و تاريخ الفن . نبرة الحزن و العتب تكبل صوت ابن جريد , يقول : "لم يقدروا ما كان يفعل في ريادة الاعمال الفنية و تأسيس المكتبة , لم تكن جمعية الثقافة و الفنون و لا وزارة الثقافة و الإعلام أن مدت يد العون له في انشاء هذه النوادر في مكتبته , لا يوجد كتاب أو آلة موسيقية أو اسطوانة الا عنده , لايستأثر بشيء على أحد كان - رجلاً فاضلاً - ذا خلق كبير و محب للمواهب . يتذكر ابن جريد أن طارق قدم لصباح و لهيام يونس و لنزهة يونس و نجاة الصغيرة أهم الألحان , كانت تربطة علاقة متينة بالشاعر محمد طلعت - رحمة الله - من أجله لحن لطلال مداح "عيني علينا" يعتبره مع الخفاجي من أهم رواد الفن السعودي . تدق الذكريات و يستعيد تلك الصورة اللغوية , لم يكن كلاماً جزلاً فقط بل أشياء كثيرة عن إبراهيم خفاجي الذي يعتبره مثل والده تعلم منه أحترام الناس و الرقي و الحكمة , يقول كان شاعراً بالفطرة يحفظ الانغام عن طريق اخواله المريعانية - بسوق الليل الصهبة - و الكثير من الاغاني , الخفاجي كان من اسباب بروز محمد عبدة في الوسط الفني حيث حفظه الاغاني و الألحان و هي بالأصل للخفاجي , يقول ان التاريخ سيحاسبني و هي الصراحة لا بد أن تقال , كان يحفظ محمد عبده الالحان و يعدل له الاوزان . و لأن الخفاجي فنان بالفطرة و كبير بكل شيء مستفيداً من عملة بالاسلكي و انتقاله للشمال و الجنوب و جيزان و ابها و عملة في القريات , مستفيداً من النغمات قبل أن ينتقل الى الرياض لوزارة الزراعة حيث عمل بها فترة ثم التحق بنادي الهلال كعضو مجلس ادارة و عمل معنا فترة و كان "شبابي" الميول , ثم تقاعد و انتقل الى مكة و اختتم هذا التميز و الإبداع في اوبريت "عرايس المملكة". كان يختار لمحمد عبده الالحان الينبعاوية و الشمالية و الجنوبية ثم لاننسى "صبيا" و"ضبي الجنوب" و بعض الاغاني القديمة لمحمد عبده و طارق , للأمانة و للتاريخ كان الخفاجي ذا حضور كبير حتى في الألحان . على الضفة الأخرى من التاريخ الذي يحتفظ فيه ناصر بن جريد الراحل طلال مداح , يتذكره كثيراً و يقول عن تلك المذكرات التي يحتفظ فيها بأرشيف مخيلته الشاهقة , كان ذا صوت شجي و فنان موهوب بالفطرة و أثرى الساحة الفنية التي يعتبره سفير الاغنية السعودية الأول بالخارج . ربما أثر على تلك المسيرة العليا لطفي زيني - رحمة الله - و المنتظر عندما احتواه , طلال في واقعة كان طيبا و كريم نفس و لا تعني له "المادة/المال" أي شيء كان على خلق - و فاتح بيته – لذا لم يجمع شيئاً "لانه ما كسبة صرفة" و كان يساعد المحتاجين و كان باراً باقاربه و كان علماً من اعلام الفن و الانسانية بصراحة , و انا حضرت يوم توفي , كنت بالمسرح سقط امامنا - رحمة الله - بصراحة رجل فاضل و لكنه طيب اكثر من اللازم و مع هذا لا ننسى ألحانه الخالدة القديمة "وطني الحبيب" و"ظالم و لكن" و "مجروح" و ألحان خالدة , مثل "و سلام الله" و "اسمر حليوة" هذي كلها لطلال مداح . مع الزمن و تقلباته يعتبر محمد عبده ابناً له و صار اخاه , إذ يقول عنه : "هو من اثرى الساحة الفنية سعودياً و خليجياً و استفاد من ذكائه بجلب ملحنين خليجيين كيوسف المهنا و الشاعر فايق عبدالجليل و عبدالرب ادريس و امتص كل ما عنده - حسب مايقول - مع كل هذا التنوع الا انه طوع الالحان النجدية الصميمة .
طارق عبدالحكيم و محمد شفيق «رحمهم الله» مع محمد عبده و ابراهيم خفاجي