الشبهة
لو أن شخصاً خرج من البيت ونظر لليمين ورأي المسجد ونظر لليسار ورأى مرقص وذهب للمرقص وجاء يوم القيامة وأدخل النار....
فإذا سأله رَبُّه لماذا ذهبت إلى المرقص ولم تذهب إلى المسجد.
فيكون جواب الشخص :
بما أن الله كاتب كل شيء فذهابي إلى المرقص مُقدّر لى فلماذا أعذب على ذلك ؟
الجواب/
القدَرُ أحد أركان الإيمان الستة ، وقد ضلّت فيه أمم بسبب الخوض فيه بغير عِلْم ، حيث أنه متعلق بعِلم الله سبحانه وقدرته ومشيئته ، ونحن لا نحيط علماً به سبحانه وقد قال عليه الصلاة والسلام
](وإذا ذكر القدَر فأمسكوا). أخرجه الطبراني (1411)، وغيره ، وانظر السلسلة الصحيحة (34).
والقدَرُ أربع مراتب :
1- عِلمُ الله سبحانه بما هو كائن
(وكان الله بكل شيء عليماً) الفتح : 26.
2- وكتابته سبحانه وتعالى للمقادير
" ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" الأنعام : 59
3- ومشيئته النافذة
" فعال لما يريد" البروج : 16.
4- وخلقه سبحانه لكل شيء
" الله خالق كل شيء" الرعد : 16.
وقد تواترت النصوص على ذلك وأجمع عليها أهل العلم..
والإنسان – وغيره من المخلوقات – لا يخرج عن قدَر الله؛ إذ ذلك مقتضى قهره وربوبيته سبحانه ، وهذا لا يعني أن الإنسان مسلوب الإرادة تماماً؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكانت بعثة الرسل وإنزال الكتب وفرض الشرائع نوعاً من العبث ، إذ أن المُخاطب لا حول له ولا قوة. بل إن عقوبة الإنسان على ذلك نوع من الظلم إذ هو يُحَاسَب على ما ليس بفعله والله سبحانه مُنزه عن العبث والظلم.
الإنسان مُسير أحياناً(ميلاده,وفاته,شكله,لونه,والديه,بلدُه ... الخ ) ومُخير أحياناً (أعمالُه التى بإرادته والتى أعطاه الله حرية التصرف فيها بعد أن قال له إفعل كذا ولا تفعل كذا) وكل عاقل يعلم من نفسه أموراً تحصل رغماً عنه وأموراً تقع باختياره لا ينكر ذلك إلا مُكابر ، وهذا مُقتضى الشرع فقد أثبت الله للإنسان إرادة " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة"آل عمران : 52.
فما كان مُسَيّراً فيه فإن الله لا يُؤاخذه عليه، بل إن الله يعذره بأقل من ذلك كالإكراه والخطأ والنسيان ، " وما ربك بظلام للعبيد" فصلت : 46.
" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" البقرة : 286.
" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" البقرة : 286.
" رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حُجّة بعد الرسل" النساء : 165.
وهذا أمر مُستقر في الشريعة.
فلا يحاسب المولى – سبحانه- الإنسان إلا على أفعاله الإختيارية . وعِلْمُ الله سبحانه لها وقدْرَته عليها ومشيئته لها ليس عذراً للإنسان ، بل عدم ذلك طعن في علم الله سبحانه وقدرته.
فليس لعاص حُجّة بالقدَرْ فهو الذي عمل وأراد، ودخوله في علم الله وقدرته ومشيئته لا تنفي ذلك فإن الله إن أراد للصائم في رمضان أن يأكل فإن ذلك سيحصل فإن حصل ناسيا فلا عقوبة عليه أمّا إذا حصل بإرادة الإنسان فهو عاص آثم مستحق للعقوبة ولا حجة له بالقدَرْ.
فالذى يأكل بغير إرادته كالمُخطئ والناسي فهو معذور ، وهنا يصح أن يُنسب الفعل إلى الله ؛ إذ هو خارج إرادة الإنسان . ولذا قال عليه الصلاة والسلام " من أكل وشرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه"صحيح البخاري 1933، وصحيح مسلم 1155.
ولله المثل الأعلى فإن البشر يعلمون بسلوك بعضهم بعضاً فإن من يعرف المجرم يعرف أنه سيرتكب مخالفة ، والمدرس يعرف من بعض طلابه أنه سَيَرْسُبْ، وذلك العلم ليس حُجّة للمُجْرم ولا للرّاسب ما دام عمل بإرادته واختياره.
وقد أنكر سبحانه وتعالى على المشركين المحتجين بالقدَر وعَدّهُ تكذيباً
" سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشرَكنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم" الأنعام : 148.
وإنما يجوز الإحتجاج بالقدَر في الأفعال التي لا يملكها الإنسان وإنما هو مُسَيّر فيها فهو هنا معذور كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس " إستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدّرَ الله وما شاءَ فعَل"صحيح مسلم: 2664.
فالاحتجاج بالقدَر على الأفعال الإجبارية صائب جائز وأما على الأفعال الإختيارية فإنه لا يجوز.