محمد ال الشيخ
هناك نظرية تقول : لا يمكن أن تكون قطبي الهوى إلا و يكون لديك ميلٌ لمنظمة (القاعدة) الإرهابية . فالقاعدة و منظرها الأول و زعيمها الآن «أيمن الظواهري» هو من إفرازات فكر «سيد قطب». كما أن (السلفيين المتأخونين) في بلادنا هم من أتباعه في الغالب رغم أنه ذو ميول اعتزالية يؤمن بخلق القرآن كما بدا ذلك واضحا في كتابه التثويري الشهير (في ظلال القرآن) و لكن الثوريين الصحويين وجدوا في أدبياته فكرا انقلابيا معاصرا يمكن تفعيله على الأرض ليكون سبيلا لهم نحو كرسي السلطة السياسية فتغاضوا عن ميوله الاعتزالية و انحرافاته العقدية و نهجوا نهجه الثوري , كما أن بعض المصفقين لسيد قطب من السلفيين و بالذات الفقهاء البسطاء و السذج لم يقرؤوا لسيد قطب و أثننوا عليه على قاعدة (رأيت الناس يثنون عليه فأثنيت معهم) طلبا للشعبية و تملق الصحويين , و هؤلاء في الغالب من أنصاف الفقهاء غير أن الاحتفاء به و تبجيل أدبياته أعلت من شأن القطبية و ربيبتها القاعدة و أصبح لها بين الصحويين حظوة و مكانة .. أما (داعش) فهي إفراز ثوري متطرف للقاعدة ذاتها أي أنها صورة حية لتطرف التطرف , فالرحم الذي أنتج داعش و كوادرها هو رحم القاعدة بلا شك غير أن المولود ولِد هجينا ملوثا تمكنت منه كثير من الفيروسات و الأوبئة الغريبة على الإسلام بل و على كل الأديان السماوية الثلاثة التي تدعوا إلى الرحمة و التعايش و تحث عليها فجاء الدواعش - كما قلت في مقال سابق - أقرب شبها بالمغول الوثنيين الذين أخذوا من كل ديانة جانبا و خلصوا إلى تلك الممارسات الشيطانية البشعة التي لوثت التاريخ الإنساني كما يقول تاريخ المغول و كما هي ممارسات الدواعش . و حسب رصدي و متابعتي لظاهرة داعش و ردود الأفعال على جرائمها سواء في الخارج أو داخل بلادنا لم أجد لها من المؤيدين إلا الغوغاء و السفلة و الأوباش و عوام (المطاوعة) أحداث السن و ليس لها منظرين و لا بعداً ثقافياً يؤصل ممارساتهم من منطلقات فقهية كما هي (القاعدة) مثلاً ، الأمر الذي يجعلنا نخلص إلى أنها مجرد نبتة غريبة طارئة على دين الإسلام لن تلبث إلا و تنتهي و تتلاشى و ما انتشارها في العراق و سوريا و سينا في مصر و كذلك في ليبيا و الشمال الافريقي إلا كمثل انتشار فرق الخوارج في تاريخنا التي انتشرت و كان لها أنصار و أتباع ردحا من الزمن ثم اضمحلت و كادت أن تتلاشى اللهم إلا بعض تفرعاتها الأقل غلوا كفرقة (الإباضية) مثلا التي هي نسخة مصححة و معدلة و مهذبة من فرق الخوارج ، و هذه الفرقة بقيت كأقلية مذهبية متناهية الصغر و قليلة الاتباع لا قيمة لها و لا رواج . و هذا في تقديري ما سوف تنتهي إليه داعش قطعا فالخوارج بمختلف تفرعاتهم كانت حركات ثورية تتخذ من الدين مطية و من الغلو منهجا غير أن بواعثها الموضوعية و دوافعها الاجتماعية عندما ظهرت أشبه ما تكون ببواعث القطبية الإخوانية و منتجاتها ، حيث اكتنف زمن ظهورها بالقلاقل و الفتن الاجتماعية و الصراع على السلطة و تجاذبات فئوية بين مكونات المجتمع المسلم حينها و هذا ما ينطبق - أيضا - على جماعة الإخوان فقد ظهرت كردة فعل على سقوط الخلافة العثمانية في منتصف العقد الثالث من القرن العشرين ثم أفرزت هذه الجماعة (الظاهرة القطبية) في بدايات العقد السابع من ذات القرن ، فالقاعدة التي أفرزتها القطبية في العقد الثامن و التاسع من القرن نفسه ثم داعش التي أفرزتها القاعدة في العقد الثاني من القرن الحالي أي أنها ظواهر اجتماعية متلاحقة زمنيا تتوشح بالدين و تتكئ عليه و تتوالد هذه من سابقتها و تسير في خط بياني تصاعدي يتجه إلى الإغراق في التطرف فكلما فشلت حركة أفرزت بذورها حركة جديدة أكثر تطرفا و هكذا دواليك . فسقوط خلافة بني عثمان التركية سببه أنها لم تكن تملك القدرة على مواكبة شروط العصر و التماهي معه ، و هو السبب ذاته الذي أدى إلى سقوط الحركات الإحيائية التي كانت تسعى إلى إعادة دولة الخلافة مرة أخرى من جماعة الاخوان مرورا بالقطبية فالقاعدة و أخيرا داعش . لذلك فليس لدي أدنى شك أن هذه المنظومة من الحركات المتأسلمة المتخلفة و الهجين التي تلد بعضها بعضا في اتجاه مزيد من التطرف ستنتهي إلى ما انتهى إليه الخوارج قطعا .