العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الثقافي
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-12-2017 , 03:07 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,358
أخر زيارة : اليوم 01:50 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon29 مارتن لوثر و الإصلاح الديني الكبير



هاشم صالح

بتاريخ 31 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1517 أي قبل 500 سنة بالضبط ، علق مارتن لوثر 95 أطروحة لاهوتية ثورية تحريرية على باب كنيسة ويتنبيرغ ، فهز العالم المسيحي هزّاً و قسمه إلى نصفين , نصف مع الإصلاح الديني و نصف ضده ، نصف كاثوليكي و نصف بروتستانتي . و هو الحدث التاريخي الأعظم الذي تحتفل به ألمانيا حالياً على مدار العام برئاسة أنجيلا ميركل . و يرى المؤرخون المختصون أن الإصلاح الديني الذي حصل في القرن السادس عشر و تزامن مع عصر النهضة و إشراقة الشمس الرائعة ، يشكل لحظة حاسمة ليس فقط بالنسبة للأمة الألمانية ، و إنما للشعوب الأوروبية بمجملها . فهو الذي جدد فهم الدين و قوم اعوجاجه و انحرافاته . و من الذي فعل ذلك و تجرأ عليه ؟ إنه المصلح الكبير مارتن لوثر (1483 - 1546). و لهذا السبب يحتفل به الألمان حالياً و على رأسهم المستشارة العتيدة . و معلوم أن والدها كان قساً لوثرياً بروتستانتياً . فهذا الرجل - أي مارتن لوثر - هو الذي أعلن العصيان على روما و اتهم البابا و رجال الدين بالانحراف عن المبادئ الإنجيلية و المثالية العليا للدين . كما و اتهمهم باستغلال العقيدة لأغراض شخصية انتهازية ما أنزل الله بها من سلطان . و هو الذي أيقظ الألمان من سباتهم الطويل أو غفوتهم العميقة و أشعرهم بهويتهم و شخصيتهم التاريخية . و هو الذي أسس اللغة الألمانية عندما ترجم الكتاب المقدس إليها . نعم ترجمة كتاب واحد دشنت تاريخ ألمانيا! فقبل ذلك كانت اللغة الألمانية تعتبر مجرد لهجة محلية أو لغة عامية سوقية لا ترتفع إلى مستوى اللغة الثقافية المحترمة . كانت لغة الثقافة آنذاك هي اللاتينية في كل أنحاء أوروبا , و كان لوثر كاتباً عظيماً و خطيباً مفوهاً يهز الألمان هزاً . و يقال بأن أسلوبه البركاني المتفجر لا مثيل له في تاريخ ألمانيا باستثناء نيتشه . و الواقع أن الفاتيكان كان يستغل الشعب الألماني مادياً ، بل و يضحك عليه إذا جاز التعبير . كيف ؟ عن طريق اللعب على وتر العاطفة الدينية المسيحية و إقناعه بالبقاء في حضن الكنيسة ، من أجل ابتزازه و «حلبه» و سحب عشرات الملايين منه سنوياً ، بغية بناء القصور في روما للكرادلة و المطارنة و بقية رجال الدين الأثرياء (بين قوسين : من يتجرأ على التحدث عن الثروات الفاحشة لبعض رجال الدين و نجوم الفضائيات عندنا ؟ لقد أصبحوا مليونيريين بفضل المتاجرة بالدين ! ما علاقة هؤلاء المكتظين المتخمين بالتقى و الورع و مكارم الأخلاق ؟ ما علاقتهم بجوهر الدين الحنيف ؟ و متى سيظهر لوثر إسلامي جديد لكي يفضحهم ؟). ثم جاء لوثر و قال للألمان : هذا البابا يضحك عليكم منذ مئات السنين و يمص دمكم مصاً باسم الدين ، و هو أبعد ما يكون عن الإيمان الحقيقي و التقى و الورع . هل تعلمون بأنه يعيش حياة البذخ و الثراء الفاحش الذي نهى عنه المسيح و الإنجيل قطعياً ؟ و بالتالي كفاكم غباء و اتباعاً للبابا و الفاتيكان . فكبار رجال الدين خرجوا على الدين في أغلبيتهم و أفسدوه و أصبحوا أثرياء جداً ، و لم تعد طاعتهم واجبة أبداً . ينبغي أن يعود الدين إلى نقائه الأولي و قيمه الأخلاقية و الإنجيلية العليا . ثم شن لوثر هجوماً صاعقاً على صكوك الغفران التي كان الفاتيكان يبيعها للشعب الفقير الجاهل موهماً الناس بأنهم سيدخلون الجنة ما إن يشتروها , و كأن الجنة تُشترى بالفلوس ! عندئذ جن جنون لوثر و انطلق بثورته العارمة التي غيرت وجه العالم . و معلوم أن البابا كان يرسل رجالاته إلى كل أنحاء ألمانيا لبيع هذه الصكوك السخيفة التي لا علاقة لها بالإيمان و لا بالدين الصحيح ، من أجل جبي الضرائب أو الزكاوات المقدسة و الأموال الطائلة من الشعب الفقير الجاهل . و كان الإنسان المسيحي يعتقد فعلاً أنه سيدخل الجنة بمجرد شرائها . و على هذا النحو كانت ثروات الشعب الألماني و أمواله تنتقل بمعظمها إلى بلاد أجنبية أخرى ، هي روما و إيطاليا و الفاتيكان . نعم لقد أشعر لوثر الشعب الألماني بهويته و شخصيته القومية و كرامته الإنسانية . و بدءاً من تلك اللحظة لم تعد أموال الشعب تذهب إلى قصور الفاتيكان و إنما أصبحت تستخدم لبناء نهضة ألمانيا ذاتها . لقد كشف لوثر الغطاء عن فضائح رجال الدين و ألاعيبهم . و قال للشعب : احذروا هؤلاء الناس الفاسدين الذين يستغلون الدين لغايات شخصية انتهازية مضادة لجوهر الدين ذاته . ألا ترون كيف يكنزون الذهب و الفضة و الثروات الطائلة ؟ فهل هذا ما دعا إليه الإنجيل ؟ ألم يقل العبارة الشهيرة : «مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله»؟ ثم قال : أنتم لستم بحاجة إلى رجال الدين لكي تفهموا دينكم ، أو لكي تفسروا الكتاب المقدس . فالمؤمن له علاقة مباشرة مع ربه و ليس بحاجة إلى وسيط . لقد انتهى عهد الوسطاء و السماسرة الذين يتاجرون بالدين و الدين الحق منهم براء . إنهم يزيدون الشعب جهلاً على جهل و فقراً على فقر . ثم قال لا نعترف إلا بالإنجيل و كل ما عداه كلام بشري عرضة للأخذ و الرد و الغربلة و التمحيص . فكلام البابوات بشري و ليس معصوماً على الإطلاق كما يزعمون . (بين قوسين : لحسن الحظ فإن الفاتيكان تغير كثيراً و تجدد و قام بثورته اللاهوتية الرائعة عام 1962 - 1965. و لم يعد المذهب الكاثوليكي تكفيرياً ظلامياً كما كان في السابق . أبداً , أبداً , كل هذا أصبح في ذمة التاريخ الآن . و بالتالي فنحن نتحدث عن الماضي لا عن الحاضر). لقد تجرأ لوثر على ترجمة الكتاب المقدس إلى لغة عامية سوقية ، و أسس بذلك اللغة الألمانية بالمعنى المتعارف عليه اليوم . و بالتالي فلوثر ليس فقط زعيم الإصلاح الديني ، و إنما هو أيضاً مؤسس اللغة الألمانية و الآداب الألمانية ذاتها . فبضربة معلم قل نظيرها في التاريخ استطاع أن يؤسس لغة جديدة و مذهباً جديداً . بل و استطاع أن ينفخ الروح في الأمة الألمانية ! و لذلك يعتبرونه أعظم شخصية ظهرت في تاريخهم ... لقد طهر الدين من الشوائب التي لحقت به على مر العصور . ثم انتقلت أفكار لوثر إلى كل أنحاء أوروبا ، و انتشرت انتشار النار في الهشيم . و عندئذ انقسمت كل البلدان إلى قسمين كما قلنا سابقاً : قسم مع لوثر و قسم مع عدوه اللدود بابا روما . و عموماً فإن بلدان الشمال الأوروبي قلبت كلها في جهة لوثر و الإصلاح الديني ، نذكر من بينها ألمانيا الشمالية بطبيعة الحال و البلدان الإسكندنافية مثل السويد و النرويج و الدنمارك و فنلندا ... هذا بالإضافة إلى قسم كبير من هولندا و إنجلترا و سويسرا . و هي من أرقى بلدان أوروبا و أكثرها تطوراً و حضارة . فالعقلية البروتستانتية مشهورة بصرامتها الأخلاقية و استقامتها و نزاهتها . و لا ينبغي أن ننسى الولايات المتحدة الأميركية أكبر بلد بروتستانتي في العالم . و بهذا الصدد ينبغي العلم بأن كبار فلاسفة ألمانيا من أمثال كانط و هيغل و فيخته و نيتشه و سواهم كانوا لوثريين بروتستانتيين . هذا دون أن ننسى غوته بطبيعة الحال , وحده هيدغر كان كاثوليكياً . أما بلدان الجنوب الأوروبي فقد بقيت كاثوليكية في معظمها و مخلصة لبابا روما . نذكر في طليعتها إيطاليا بطبيعة الحال ثم فرنسا و إسبانيا و البرتغال . و هي الدول التي تكره لوثر كرهاً شديداً ، و تعتبره المسؤول عن تقسيم المسيحيين . و بعدئذ اندلعت الحروب المذهبية بين الطرفين طيلة القرنين السادس عشر و السابع عشر بل و حتى الثامن عشر و التاسع عشر إلى حد ما . و فيما يخص آيرلندا الشمالية حتى أواخر القرن العشرين . و اجتاحت حرب الثلاثين عاماً معظم أنحاء أوروبا ، و لم يبق فيها زرع و لا ضرع . و ذهبت ضحيتها عشرات الملايين . نصف الشعب الألماني قتل فيها أو ثلثه على الأقل . و هذا يعني أن الحروب الطائفية من أخطر الحروب و أكثرها فتكاً و تدميراً . و لذلك فعندما يقول لك بعض المثقفين العرب بأننا لسنا بحاجة للمرور بالمرحلة التنويرية للخروج من المغطس الحالي ، فهذا يعني أنهم يغالطون و يكابرون و يرفضون الاعتراف بحجم المشكلة أو حتى بطبيعتها و خطورتها . إنهم مصرون على التشبث بالفهم القديم الراسخ للدين ، بحجة أن الشعب مرتبط به أو متشبع به . و لكن الشعوب الأوروبية كانت أيضاً مشبعة بهذا المفهوم الأصولي القديم . و هذا لم يمنع فلاسفة الأنوار من الثورة عليه و تفكيكه من أساساته . على العكس لقد دفعهم إلى ذلك دفعاً . و أصلاً لم تقلع أوروبا حضارياً إلا بعد أن تجاوزت هذا الفهم الطائفي و الظلامي للدين . و عندئذ ظهر تأويل جديد للدين المسيحي غير ذلك الذي كان موروثا عن العصور السابقة . و قد لعب جان جاك روسو دوراً كبيراً في بلورة المفهوم العقلاني التنويري للدين المسيحي . و لهذا السبب هاجمه الإخوان المسيحيون الأشداء بعنف و لاحقوه في كل مكان و أقضوا مضجعه . بل و حاولوا اغتياله أكثر من مرة . و لكنه لم يهن و لم يتراجع ، و اعتبر أن مفهومهم الظلامي للدين هو سبب الحروب الطائفية التي دمرت أوروبا و مزقت نسيجها الاجتماعي . فلم يعد أحد يثق بأحد و أصبح كل شخص يخشى جاره . بهذا المعنى فقد شكل روسو قفزة جديدة - و أي قفزة! - قياساً إلى مارتن لوثر و كالفن و كل زعماء الإصلاح الديني . و ذلك لأنه علْمَن المسيحية تماماً و أخرجها من انغلاقها اللاهوتي و تقوقعها المذهبي الضيق . لقد حرر الإيمان من النزعات الطائفية و المذهبية المتعصبة . و قل الأمر ذاته عن فولتير و كانط و بقية فلاسفة التنوير الكبار . كلهم قدموا تفسيراً تنويرياً و روحانياً جديداً عن الدين . كلهم اشتبكوا مع التفسير الطائفي القديم الراسخ ، أي التفسير التكفيري الظلامي , و فككوه من جذوره و أطاحوا به تدريجياً . و بالتالي فهناك الإصلاح الديني ، و هناك التنوير الفلسفي الذي تلاه و تجاوزه و بينهما قرن و نصف القرن أو قرنان . و الآن العرب مطالبون بتحقيق الشيئين معاً . إلا أنه هول دونه الهول ! و على هذا النحو استطاعت أوروبا أن تخرج من ظلماتها اللاهوتية و فتاواها التكفيرية و مذابحها الطائفية . على هذا النحو راحت تدخل رويداً رويداً في مناخ العصور الحديثة . على هذا النحو راحت تحقق انطلاقتها الصاروخية بعد أن تخلصت من الحشو و حشو الحشو و التراكمات التراثية . على هذا النحو راحت تشكل الدولة المدنية الحديثة و المواطنة الحقة الجامعة التي تساوي بين الجميع أقلية كانوا أم أكثرية ، بروتستانتيين أم كاثوليكيين . و لم يعد هناك مواطن درجة أولى و لا مواطن درجة ثانية , كلهم متساوون أمام القانون . هذه هي القفزة الفكرية و السياسية الهائلة التي حققها فلاسفة الأنوار الكبار . و هذا هو سبب نجاح الربيع الأوروبي في القرن التاسع عشر على عكس الربيع العربي الذي لم يحظ بأي تنوير فكري أو ديني قبل اندلاعه فكانت الكارثة و الفشل الذريع . كان أن سيطرت عليه التيارات الإخوانجية الداعشية و قضت عليه قضاء مبرماً و أدخلتنا في حروب أهلية دموية لا تبقي و لا تذر . و بالتالي فإذا ما عرف السبب بطل العجب , و ها نحن نعود إلى نقطة الصفر مجدداً . ماذا يعني كل ذلك ؟ إنه يعني ما يلي : إذا لم ينجح التنوير العربي الإسلامي يوماً ما فلا حل و لا خلاص . ما دام اللاهوت الديني التكفيري القديم مسيطراً على عقول الجماهير بل و حتى نصف المثقفين إن لم يكن ثلاثة أرباعهم ! فلا يمكن أن يتحقق السلم الاجتماعي و لا الوحدة الوطنية في أي بلد عربي . و لا يمكن للنهضة العربية أن تنطلق و لا أن تقوم للعرب قائمة في المدى المنظور . و لا يمكن للعصر الذهبي أن يعود مرة أخرى . و بالتالي فإما أن نتخلص من أفكار التطرف الأعمى التي جعلتنا في مواجهة مكشوفة مع العالم كله و إما أن نخضع لها صاغرين إلى أبد الآبدين . باختصار شديد : إما الفارابي و ابن سينا و إما الغزالي و ابن تيمية ، إما طه حسين و إما حسن البنا ، إما عباس محمود العقاد و إما الإخوان المسلمون الذين حاولوا اغتياله . أما محمد أركون و إما يوسف القرضاوي . إما العفيف الأخضر و عبد الوهاب المؤدب و إما راشد الغنوشي ، إما عبد النور بيدار و إما طارق رمضان . أما إسلام الأنوار و إما إسلام الظلام . و لكم الخيار ! المعركة فكرية إذن قبل أن تكون سياسية , و لن تُحسم سياسياً قبل أن تُحسم فكرياً .

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 130 ( الأعضاء 0 والزوار 130)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المئوية الخامسة للإصلاح الديني البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 16-02-2018 08:01 PM


الساعة الآن 07:37 AM