حازم صاغية
629 لاجئاً و لاجئة أغلبهم من أفريقيا كانوا مُهددين بالغرق في مياه البحر المتوسط . في عدادهم أطفال و نساء حوامل كثيرون . ثلاثة زوارق أنقذتهم و حملتهم إلى إيطاليا (و مالطا) التي رفضت إدخالهم . إسبانيا قبلتْهم و وعدت بتأمين عناية صحية مجانية لهم على أن تدرس أوضاعهم فرداً فرداً في وقت لاحق . إيطاليا و إسبانيا بلدان كاثوليكيان في الجنوب الأوروبي . الاختلاف بينهما بالتالي ليس دينياً أو «حضارياً». إنه اختلاف بين نهج منفتح على العالم ، متساوق مع العولمة ، محترِم لحقوق الإنسان في معزل عن دينه و لونه و جنسه و طبقته ، و نهج منغلق ، قومي و حمائي و كاره للغريب و المختلف . النهج الأول تجسده الحكومة الاشتراكية التي تشكلت قبل أسبوعين في مدريد . الثاني تجسده الحكومة الشعبوية التي تشكلت قبل أسابيع قليلة في روما . هذه الأخيرة أنشأها ائتلاف بين حزبي «النجوم» الجنوبي و «العصبة» الشمالي . قادة هذا الائتلاف لا يكتمون إعجابهم بفلاديمير بوتين و دونالد ترامب . الانقسام هذا يلخص تناقضات كثيرة يعيشها عالمنا اليوم . القوميون و المحليون على أنواعهم لا يُعدمون الحجج : فالعالم ينقسم إلى دول تحدها حدود ، دول تتطلب ممن هم ليسوا مواطنيها تأشيرة دخول إليها ، فيما اقتصادها و سياستها في العمالة محكومان بمعطيات عددية و اقتصادية محددة و ملزِمة لصانع القرار . التنافس الانتخابي و إرضاء «الشعب» يدفعان في الاتجاه هذا . لكن التمايز عن الطوبى ليس بالضرورة مناهضةً للطوبى . إنه كذلك عند القوميين المحليين وحدهم لأنهم يرون قطيعة جوهرية بين الواقع و المثال ، و يعملون على تضخيم الجوهري فيها . هذا التمايز الواقعي قد يكون في المقابل تمهيداً لعالم أفضل من غير استعجال و حرق مراحل . و هو بالضرورة مهموم بمصالحة الإنسان بوصفه ابن وطن و دولة ، و الإنسان بوصفه ابن الكون و العالم. مهموم بمصالحة سيادة الوطن و سيادة الإنسانية . إنه لا يزيل الحدود التي لا تزال تفرضها موجبات عملية لكنه لا يقدسها و لا يمجد الاستبسال في سبيلها . و هو يرحب بكل عولمةٍ لا في حركة الرساميل فحسب بل أيضاً في حركة العمل فضلاً عن الثقافة و الأفكار . ما من شك في أن رئاسة دونالد ترامب التي تفصل الأبناء عن أهلهم و تقيم الجدران بين البلدان و تعتمد الحمائية و الرسوم الضريبية ، و تنسحب من اتفاقات البيئة كما من الاتفاقات التجارية هي اليوم ما يحتل موقع الريادة و الأستاذية في هذه المدرسة . تفكيك الاتحاد الأوروبي الذي بدأه بريطانيو بريكزيت ضربة موجعة لأول صيغة سياسية في التاريخ تتجاوز الدولة – الأمة بإرادة شعوبها . انتخابات النمسا ثم انتخابات إيطاليا خطى أخرى على الطريق ذاتها . مساهمة شطرنا من العالم في هذه المساجلة إما ضعيفة الحضور أو ضعيفة المعنى . هذا ليس مرده فحسب إلى ضعف التقاليد الأممية و الكونية لدينا ، بل أيضاً إلى التجريف الحاصل لنفوسنا الفردية و الجماعية على أيدي الولاءات الدينية و الطائفية ، الإثنية و الجهوية . فإذا صح أن كل تشدد في الهوية انخفاض عن سوية الإنساني فنحن نضيف إلى ذاك الانخفاض انخفاضاً عن سوية الهوية الوطنية نفسها . في الغرب يدور السجال و هو غالباً سياسي بين القومي و ما بعد القومي . عندنا هناك انقسامان ، واحد بين الوطني الأضعف بإطلاق ، و ما قبل الوطني الأقوى بإطلاق . هذا الانقسام لا يثير سجالاً بسبب فارق القوة بين طرفيه . الانقسام الآخر الوازن و الجدي هو بين أنواع من ما قبل الوطني تساوي عدد الجماعات الأهلية , السجال هنا عنفي حكماً . بالتأكيد لا يعمل هذا النقص لدينا إلّا في تعزيز أرصدة المناهضين للجوء و الهجرة في الغرب الذي يقوي أسوأ ما فينا فنقوي أسوأ ما فيه .
تعليق : مقال مهم لفهم التوجه في الغرب نحو الشعوبية و انحسار فكرة العولمة . الشيء الأخر توضيح مشكلتنا الاجتماعية و فكرة الوطن و ما قبل الوطن اللي محتاجة علماء اجتماع و سياسيين مخلصين لتجاوزها .