عائشة سلطان
رغم الكلام الكثير الذي عادة ما يثار حول حرية القارئ و التصدي لسلطة الرقيب العربي ، و ترك القارئ يقرأ و يختار مهما كانت درجات الابتذال و تدني الذائقة في بعض النصوص ، فإن ظاهرة انسحاب الناقد الحقيقي صاحب الأدوات العلمية و تناقض دور الكثيرين منهم ممن نقرأ لهم ، قد لا تكون جديدة لكنها جديرة بالتحليل ، كما أنها من أسباب تراجع مستوى الذائقة و الأعمال الأدبية العربية ! تتجلى إشكالية التناقض لدى النقاد في محاولة سلخ العمل الأدبي من أي قيمة أخلاقية تحت شعار حاكموا العمل فنياً و أدبياً و لا تحاكموه أخلاقياً ، مهما كانت درجة سقوط العمل ، فالحياة مليئة بالقذارات و الروائي يحاكي هذا الواقع و علينا - كما يقولون - أن نكون أكثر شجاعة لمواجهة هذه الحقيقة و الاعتراف بها ، بعيداً عن قوانين الحجب ، فهذه السلطوية الأبوية لابد أن تختفي ! لكن لننظر إلى الدول التي شطبت موضوع الدين و الأخلاق من قاموس الأدب و السينما ، و لنسأل لماذا يحذرون من تداول روايات و كتب معينة بينهم ؟ نحن نتحدث عن دول علمانية لا وجود فيها للسلطة الأبوية و لا الوصاية و الكل حر يفعل ما يشاء و بحماية القانون ! إذن فالحرية في كل المجتمعات الإنسانية إنجاز ، لكن الحرية وسيلة و ليست غاية ، الغاية هو الإنسان و المجتمع ، أما الحرية فإحدى وسائل الارتقاء بالإنسان و بحياته ، و هنا فحين تصل الحرية إلى أن تتحول إلى أداة هدم للقيم التي تحرس العلاقات و البناءات النفسية و العقلية و الوجدانية و حتى الجسدية للإنسان فإن المجتمع يقف في وجه الحرية لصالح الإنسان ، فيقننها و يضبطها دون أن يتجاوز أو يتهاون و دون أن يسمي ذلك تسلطاً ! بعض من يعيشون حالة التناقض الأخلاقي بين ما يعتقدونه و بين ما يقولونه أو يعبرون عنه في الفضاء العام ، و الذين يرون العمل الأدبي أو الفني مسيئاً و يناقض القيم ، لا يسمحون لأبنائهم بقراءته أو مشاهدته ، و مع ذلك فحين يُسأَلون في الإعلام أو حين يكتبون يقولون كلاماً مختلفاً يعبر عن تحرر و انفتاح زائفين ، هؤلاء يمارسون قمة الضرر ! التناقض الذي يعانيه كثير من المثقفين العرب سببه اللامبالاة و التفكير الضيق في المصلحة الخاصة ، فالبعض يقتات أو يتكسب من صوته العلني الذي يقدم به نفسه على أنه ليبرالي ، فالتناقض في نهاية الأمر ليس سوى وسيلة ، فالكل يريد أن يربح ما ليس له في الحقيقة لكنه يطمع فيه !