محمد ال الشيخ
الرئيس أوباما و معه مجموعة من حزبه مازالوا يصرون على أن معتدلي إيران سيخلصون المنطقة برمتها و ليس إيران فحسب من التيار المتطرف الإيراني بعد موت الولي الفقيه الحالي الذي هو واحد من كبار المؤدلجين المتطرفين في إيران ، و هو من قادها بإصرار و مكابرة إلى الوضع المأزوم اقتصادياً و المعزول سياسياً التي تعاني منه . و في رأيهم و حسب التقارير التي وصلت إليهم عن حالة المرشد الصحية فلن يبقى طويلاً . لذلك يذهبون إلى الإصرار على أن توقيع اتفاقية لوزان بشأن سلمية المفاعلات النووية الإيرانية يليها الإفراج عن المجمد من الأموال الإيرانية و رفع العقوبات الاقتصادية ستدفع خليفته إلى الاعتدال و الرهان على الإنسان و رفاهيته و ليس على نشر و تكريس الأيديولوجيا , ما يجعل إيران في المحصلة تنتقل من (الثورة) و تسلط التيار المؤدلج المتشدد إلى (الدولة) و تحكم التيار المعتدل و المنفتح الميكافيلي , و يضيفون : الإصرار على المقاطعة الاقتصادية يعني تمكين المتشددين و تقويتهم أكثر و حين ترفع العقوبات (الآن) سيشعر المواطن الإيراني بالفرق لأن رفعها سينعكس على معيشته و الارتقاء بخدماته المدنية و هذا ما سوف يجعل من يحل محل خامنئي بعد موته يسير مع مصلحة الإنسان و يحافظ على شروط الاتفاقية و يركز على رفاه و سعادة البشر لا على أسلحة إبادة البشر . ربما تقتنع بهذا التبرير للوهلة الأولى لكن التفكير و التدقيق فيه و تمحيصه تجعله يتهاوى لأنه لا يواكب الواقع على الأرض و يتبين لك أنه منطق لا يغوص إلى عمق تركيبة منظومة القوى في إيران و من الذي يمسك بمفاصلها كما ينص الدستور و ما هي أولوياته . كيف ؟ إيران المتأسلمة دولة كهنوتية مذهبية بنيت حين بناها الخميني على مذهبية كهنوتية صرفة . و كما ينص دستورها يحكمها و إليه تؤول سلطاتها كاملة (رجل دين) يتولى سلطته المطلقة باسم (المرشد) و يقوم بتصريف و تفعيل صلاحياته المطلقة (مؤسسة المرشد) و هي أعلى مؤسسة حاكمة في إيران على الإطلاق و له بصفته هذه كافة السلطات التشريعية و القضائية و التنفيذية , بمعنى أن المرشد حين يتربع على عرش الطاووس يحق له (دستورياً) أن يتصرف في إيران كما يتصرف الملاك في أملاكهم ، مستمداً سلطاته ليس من الشعب بل لأنه يمثل الله في الأرض و يوقع باسمه .. و يتولى حمايته و يذب عنه و يكرس سلطاته (مؤسسة الحرس الثوري) العصا الغليظة للمرشد التي تحميه و يحميها ، و المستقلة عن بقية الدولة و المرتبطة مباشرة بالمرشد لا برئيس الجمهورية و هي مؤسسة قامت و نشأت و ترسخت على التشدد المذهبي الذي لا يلين و لا وجود للاعتدال في معاييره و لديها أكثر من 350 ألف جندي و شبكة من الاستثمارات الضخمة متنوعة و في كل المجالات تجعلها مالياً مستقلة تماماً عن بقية الجمهورية , هذه بنية المؤسستين الأهم و الأقوى في إيران و هما مكملتان لبعضهما فلو غاب الخامنئي مثلاً و شغر منصبه فلن يخلفه إلا من يقبل به (أولاً) الحرس الثوري و الحرس الثوري يهمه بشكل رئيس عاملان لا يمكن أن يتنازل عنهما و لا يساوم عليهما أولهما : أن يحمي كيان الحرس الثوري نفسه و يحافظ على قوته و سطوته و سلطاته بكل وسيلة شرعية كانت أم غير شرعية . العامل الثاني : حماية الثورة و مبادئها و جمهوريتها و الأهم حماية سلطات المرشد . لذلك فإن بقاء جذوة الثورة مشتعلة من بقائه و انطفائها انطفاء له , و هذا يعني أن التحول إلى الدولة و نهاية الثورة هي نهاية أكيدة لمؤسسة الحرس الثوري و هذا لا يمكن أن يوافق عليه جنرالات الحرس الثوري بحال من الأحوال المتشبعون بالإيديولوجيا حتى النخاع و بالعنف منهجاً و وسيلة حتى لو اضطروا إلى الانقلاب على أي مرشد (جديد) يحاول تهميشهم و إضعاف قوتهم و تعيين مرشد آخر متشدد يسايرهم و يكرس قوتهم أو يفرضوا عليه القرارات المتشددة رغم أنفه . لذلك فانتزاع التشدد من جمهورية الملالي كأن تنتزع سبب بقائها و الأساس الذي تأسست عليه و أول من يدرك ذلك هم الملالي م عتدلوهم و متشددوهم على السواء . الفرق أن الملا المعتدل أكثر تفعيلاً (للتقية) و الملا المتشدد يظهر ما يبطن و لا يبالي أما الأهداف النهائية فلا فرق بين التيارين . و هم الآن بسبب العقوبات مكبلون مالياً و تزداد عليهم الضائقة المالية مع الزمن و بقاء العقوبات و هذا سبب هزائمهم المتلاحقة في العراق و سوريا مثلاً فإذا صدق العالم الغربي ادعاءات ما يسمى (التيار المعتدل) بسلمية مفاعلاتهم النووية فالغربيون عندها كمن يصدق (الدواعش) لو ادعوا أنهم مع السلم و الأمن الدوليين فهؤلاء و أولئك وجهان لعملة واحدة , الفرق أن هؤلاء يتذرعون بحماية (الشيعة) المستضعفين و أولئك يتذرعون بحماية (السنة) المظلومين أما الأهداف فمتطابقة في النتيجة و إن بدت متناقضة في الوسائل .