
ناجح ابراهيم
يعد الأستاذ سيد قطب من الأدباء المشهورين فى تاريخ مصر و هو صاحب أسلوب  أدبى متميز ، و هو الذى اكتشف نجيب محفوظ و تنبأ بمستقبل أدبى باهر له ، و من  أشهر كتبه «فى ظلال القرآن». سمى قطب كتابه «فى ظلال القرآن» و لم يسمه  تفسير القرآن ، و لكن المصيبة الكبرى أن أكثر الجماعات التى تأثرت بالكتاب  أخذت كل ما كتبه قطب على أنه قرآن منزل أو أحكام فقهية أو عقائدية متفق  عليها أو مجمع عليها ، و يا ويل من يناقشها . فأخذوا ينزلون كلمات قطب على  مجتمعهم و حكوماتهم و دولهم بطريقة خاطئة ، و يتعاملون معها تعامل المعصوم ، دون  أن يفرقوا بين الإسلام المعصوم بقرآنه و سنة نبيه و بين الفكر الإسلامى غير  المعصوم الذى يصدر من أى عالم أو مفكر يخطئ تارة و يصيب أخرى . و أصبح أكثر  الحركيين الإسلاميين و جماعات العنف تأخذ أجزاء من كلام قطب و تستدل به على  أخطر القضايا و أصعبها ، و التى قد يترتب عليها إراقة الدماء و مئات الضحايا  دون أن يوجه نقد حقيقى لأفكاره و إذا تم ذلك من أحد شتموه و أهانوه و أهالوا  عليه التراب ، و كأن كلامه لا يجوز لأحد مناقشته أو مخالفته . و إذا ناقشته  تواجه بكلمات : أين أنت من الشهيد قطب ؟ هل ضحيت مثله ، هل بذلت بذله فإذا  أعدتهم للقضية الفكرية عادوا إلى نفس المربع و هكذا ، و كأنهم أنزلوا كلماته  العامة الفضفاضة منزلة الوحى المنزل الذى لا يجوز لأحد مناقشته ، بل إن  الوحى يختلف الفقهاء و المفسرون فى شرح معانيه و تأويل كلماته . و الغريب أن معظم هؤلاء يعظم قطب تعظيما كبيرا لا يناله أحد من الأئمة الأربعة أو فقهاء الإسلام العظام المشهود لهم بالعلم و الفضل . و بعضهم  يقدسه و يسخر من فقهاء الإسلام الأوائل ، فشكرى مصطفى و أتباعه كانوا يسخرون  من العلامة ابن كثير و يقولون عنه «ابن قليل» و يسخرون من النووى باعتباره  العدو الأول لهم و لفكرهم و خاصة فى كل ما كتبه فى باب «الإيمان» فى شرح صحيح  مسلم . و قد تعلم شكرى مباشرة على يد المجموعة القطبية فى السجن الحربى  و كان يكفر الشعب المصرى كله ، و كذلك أبو بكر البغدادى زعيم داعش استقى فكره  الرئيسى من كتاب فى ظلال القرآن الذى قرأه عشرات المرات فى سجن «أبو غريب»  ببغداد ، و تأثر به تأثرا شديدا و حاول تطبيق معظم أفكاره فى منظومته  الداعشية . أطلق سيد قطب تعبير «الاستعلاء بالإيمان» كثيرا ، و هذا المصطلح  غامض جدا و لم يستخدمه أحد من علماء المسلمين من قبل على الإطلاق ، و هل  الإيمان يدعو للاستعلاء على الآخر غير المؤمن أو غير مسلم أم يدعو للتواضع  للناس جميعا ، و الانكسار لرب الناس . و قد هالنى أن أكثر الشباب الذى يقرأ  كتاب فى الظلال «يعجبه هذا المعنى و يروق له ، و يخلط بينه و بين الكبر على من  يخالفه فى الدين أو الفكر أو الرأى بحجة الاستعلاء بالإيمان ، و يقع فى العلو  المذموم على الناس و هو يظن أنه يرتفع بالإيمان . فبين الاعتزاز و الاستعلاء  بالإيمان و العلو بالذات شعرة دقيقة لا يدركها إلا أولو البصائر و أصحاب  القلوب الصافية النافية ، و حتى لفظة الاستعلاء هذه سيئة ، و الأفضل منها  الاعتزاز بالدين و التمسك به . فقد استقبل رسول الله عدى بن حاتم الطائى  فى بيته المتواضع و كان مسيحيا فأعطاه الوسادة الوحيدة فى بيته الشريف و جلس  عليه السلام على الأرض و هو رئيس الدولة و خاتم المرسلين حتى قال عدى فى نفسه  «ليس هذا بملك .. هذا نبى». و هذا الإطلاق المتكرر لمعنى الاستعلاء  بالإيمان جعل الكبر يتلبس كل من تدين تدينا بسيطا بحيث يستطيل بذلك عل كل  مخالفيه دون شعور بالذنب ، أو هو يظن أنه يحسن عملا ، و لا يدرك أنه وقع فى  الكبر المذموم الذى نهت عنه كل الشرائع السماوية و منها الإسلام . مصطلح  «الاستعلاء بالإيمان» غريب فى صكه ، فالاستعلاء مرفوض فى كل الشرائع حتى لو  كان هذا الاستعلاء بالعلم أو الفقه أو الإيمان أو الصدقات أو الصلوات . فالإيمان  يدعو صاحبه للتواضع و خفض الجناح ، و كلما زاد الإيمان فى قلب صاحبه ازداد  خوفا من الله و انكسارا له سبحانه و تواضعا للناس ، و خوفا من عدم القبول عند  الله . فالمؤمن لا يأمن مكر الله و إن كانت إحدى قدميه فى الجنة و الأخرى  خارجها ، كما قال أبو بكر الصديق «رضى الله عنه» و هو من هو فى الفضل و التقوى  و السبق : «لو كانت إحدى قدمى فى الجنة و الأخرى خارجها ما أمنت مكر الله»  و كما فسر رسول الله «صلى الله عليه و سلم» قوله تعالى : «وَالَّذِينَ  يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَهُمْ إِلَىظ° رَبِهِمْ  رَاجِعُونَ» فقد فهمتها عائشة بظاهر النص أنها تخص أهل المعصية الذين  يشفقون على أنفسهم من المعاصى ، و لكن الرسول «صلى الله عليه و سلم» صوب لها  ذلك بقوله : «لا يا بنت الصديق ، و لكنهم الذين يصومون و يصلون و يتصدقون و هم  يخافون ألا يقبل منهم «أُولَظ°ئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَ هُمْ  لَهَا سَابِقُونَ». و هذا عمر بن الخطاب «رضى الله عنه» و زير رسول الله  الثانى و المبشر بالجنة يخاف على نفسه من النفاق و لا يفكر إلا فى التواضع  و ليس الاستعلاء بالإيمان . تعبير الاستعلاء بالإيمان دخيل على المنظومة  الشرعية الإسلامية و مصطلحاتها التى صكها الصحابة و التابعون و الأئمة الأربعة  و تلاميذهم الكبار من نور الوحى و ذكاء الفهم و ضياء البصيرة ، و كذلك أى مصطلح  يقترب منه لم يدشنوه مثل «الاعتزاز بالإيمان أو الفخر بالإيمان» لأن الخلط  الكبير سيحدث لا محالة فى نفس الشاب حديث التدين بين الاستعلاء بالإيمان  و العلو بالذات . فبين الاستعلاء بالإيمان و العلو بالذات شعرة دقيقة قد  تختلط على العلماء و الفقهاء مع أنفسهم و فى دواخلهم ، فضلا عن الشباب حديث  التدين قليل العلم عديم الخبرة كثير الاندفاع المشحون بالحماسة دون التدقيق  فى الفواصل بين الأمور التى هى أصلا من آفات القلوب و أمراضها . و الناس  تسير إلى الله بقلوبها ، و الخلل يأتى فى البداية من القلب ثم ينطلق سريعا  إلى الجوارح التى تتكبر على الخلائق تحت مظلة كاذبة هى الاستعلاء بالإيمان ،  و تستطيل على الآخرين خاصة المختلفين معهم فى الدين أو العرق أو المذهب . و حينما  تغمر الشاب الصغير كلمات الاستعلاء بالإيمان قد يرى نفسه فى لحظة خاطفة  لنفسه و قلبه أفضل من الآخرين ، فيحتقر العصاة و لا يرحمهم و يقسو عليهم و يتمنى  هلاكهم بدلا من هدايتهم ، و لا يتصور أن يكون يوما مثلهم . و قد تتلبسه  حينها العصمة الكاذبة التى يغذيها معنى الاستعلاء بالإيمان ، و يدور حول ذاته  أو جماعته و حزبه و هو يظن أنه يدور مع الشريعة و حولها ، و يغتر بنفسه و يحلق  بذاته فوق الناس تباهيا و شموخا ظنا منه أنه بذلك يستعلى بإيمانه . و يحتقر  الآخر و يزدريه ، و يعتقد فيه الباطل دوما و يعتقد فى نفسه و جماعته الحق  المطلق و الحقيقة المطلقة و الصواب الأبدى ، انطلاقا من هذا المعنى . و لا  يلوم نفسه أو جماعته على خطأ وقع فيه أو منهم بل يلوم الآخرين دوما ، لأن  لديه الإيمان و لديهم الكفر , و لديه الحق و عندهم الباطل , و لديه اليقين و معهم  الظن . و يظن دوما أن الله معه دون سواه , و أن الله وليه دون سواه , و أنه يحمل الحق الحصرى و أن الآخرين يدورون فى الباطل المطلق . فلا  يعترف بنقص لديه و لا يعترف بصواب أو خير لدى غيره و يعتقد جازما القبول لكل  ما صنعه من خير و لا يعيش أبدا بقلبه و جوارحه مع الصحابة الذين حكى عنهم  ابن أبى مليكه قائلا فيما رواه البخارى عنه : «أدركت ثلاثين من أصحاب رسول  الله كلهم كان يخشى النفاق على نفسه» رغم أنهم أكمل الأمة إيمانا و أكثرهم  يقينا و أصفاهم قلوبا و أنقاهم نفوسا و يكفيهم صحبتهم رسول الله صلى عليه و سلم  و شهودهم لوحى السماء و شهادة الرسول صلى الله عليه و سلم لهم .