
محمد المنشاوي
إلى اليابان سافرت الشهر الماضى مشاركا فى  أعمال مؤتمر عقد فى جامعة دوشيشا بمدينة كيوتو . تناول المؤتمر ندوات  مفتوحة و مغلقة تحت عنوان واسع «الإنسانية فى أزمة .. الحروب الأهلية ،  اللاجئون و الإرهاب». و كانت المشاركة رفيعة المستوى ما بين أكاديميين و  سياسيين و دبلوماسيين و صحفيين إلا أن وجود شخص واحد مميز فى كل شىء ، جعل  النقاشات و الحوارات مختلفة فى طبيعتها و منطلقاتها و نتائجها . إنه  البروفيسور حسن كو ناكاتا Hassan Ko Nakata الذى لم أعرفه من قبل و لم أسمع  عنه و قد يكون هذا تقصيرا من جانبى إلا أن البعد عن الاهتمام بالشأن  الآسيوى قد يبرر عدم المعرفة السابقة به على الرغم من أنه حاصل على  الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة القاهرة ، و هى نفس الجامعة التى تخرجت  منها فى كلية الاقتصاد و العلوم السياسية . ولد ناكاتا فى ولاية أوكاياما  عام 1960 و درس فى عدة جامعات يابانية و منها جامعة طوكيو الشهيرة ، و اهتم  منذ أيام شبابه الأولى بدراسات الأديان المقارنة . و خلال دراسته الجامعية  تعمق فى دراسة المسيحية التى أحبها و مال إليها ، و درس اليهودية و كتابها  المقدس التوراة ، و كان نشطا فى مجموعات قراءة الإنجيل و التوراة . و بعد  وقوع و نجاح الثورة الإسلامية فى إيران قرر ناكاتا التوسع فى دراسة الدين  الإسلامى ليكمل عقد الديانات الإبراهيمية الثلاث ، ثم أعلن إسلامه عام 1983  و أتقن اللغة العربية و اتخذ من «حسن» اسما له . و يقول فى هذا الشأن :  «عندما درست الإسلام و عرفت أنه آخر الديانات السماوية و أتمها من جميع  النواحى ، و رأيت أنه هو الدين الحق أعلنت إسلامى . لقد جاء إسلامى عن طريق  قراءة الكتب أكثر من التأثر الشخصى بآخرين ، و تكونت لدى حلقة غير مكتملة  فى البداية و لكنها اكتملت بعد اطلاعى على الإسلام». حصل على درجة  الماجستير من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة طوكيو 1986 ، ثم قدم لجامعة  القاهرة و حصل على الدكتوراه من قسم الفلسفة بكلية الآداب 1992 و كان موضوع  رسالة الدكتوراه «الفلسفة السياسية عند المفكر الإسلامى ابن تيمية». ثم  عمل ناكاتا لسنتين كدبلوماسى فى السفارة اليابانية فى المملكة العربية  السعودية ، بعد ذلك تفرغ للعمل الأكاديمى و هو الآن أستاذ زائر غير متفرغ  بكلية دراسة الأديان فى جامعة دوشيشا اليابانية . و شغل كذلك من قبل منصب  رئيس جمعية مسلمى اليابان ، و قام بمساعدة زوجته البروفيسورة اليابانية  (أسلمت و تعلمت العربية و توفيت منذ عدة سنوات) بترجمة القرآن الكريم إلى  اللغة اليابانية . و يذكر البروفيسور ناكاتا أن هدف دراسته يتمثل فى تعريف  اليابانيين بالتوحيد بسهولة و بدون تعقيدات و جذبهم للإسلام . و للبروفيسور  ناكاتا مساهمات علمية متنوعة منها ترجمته كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية  ، و كتاب السيرة النبوية لمصطفى السباعى ، ثم أشرف على ترجمة تفسير  الجلالين و تقديمها ، و ترجم زاد المستقنع فى اختصار المقنع و تعليقه . و  اعتمدت رسالته للماجستير و التى كانت حول «فلسفة العمل عند ابن تيمية» على  كتابى ابن تيمية «السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى و الرعية» و «المحبة فى  الإسلام» و يرى ناكاتا أن هذين الكتابين يتفوقان على أى كتاب إسلامى آخر  تناول نفس الموضوعات . وعندما سئل عما يراه البعض من تطرف ابن تيمية رد  ناكاتا قائلا : «ابن تيمية مفكر عميق و موسوعى و له تأثير كبير سواء فى  العلماء أو الشباب العادى ، لكن حتى العلماء المعاصرون له لم يستوعبوا  كلامه جيدا و منهم من غار منه لمكانته العلمية الفذة ، فالرجل كان عميقا  جدا لدرجة أن تلاميذه لم يستطيعوا أن يفهموه حق الفهم ، و لذلك فلا يفهم  كلام ابن تيمية حق الفهم إلا العلماء ، أما غير المتخصصين فإنهم يسيئون فهم  الرجل الذى هو برىء من هذا الكلام ، و من يصنف فكر ابن تيمية بالتطرف فإنه  لم يفهم شيئا منه و ليست له علاقة بالفقه الإسلامى و الثقافة الإسلامية  العميقة ، فابن تيمية رائد و أستاذ و مجتهد و مجدد ... فكيف أتهمه بالتطرف ؟  و هم فى الجامعات الغربية يدرسون فكر ابن تيمية لأنهم يعتبرونه مفكرا  عبقريا و موسوعيا . ذاع صيت ناكاتا أثناء و عقب حجز تنظيم الدولة داعش  رهينتين يابانيتين و إعدامهما فى بدايات العام الماضى بعد محاولته التوسط  بين الحكومة اليابانية و التنظيم لتأمين الإفراج عن الرهينتين ، و ساعده فى  ذلك معرفته بأعضاء من تنظيم الدولة . و كان قد سبق للبروفيسور ناكاتا  زيارة الأراضى التى يسيطر عليها تنظيم داعش ثلاث مرات لأغراض بحثية بحتة  حسب روايته . إلا أن ذلك كان مدعاة للشرطة اليابانية للاشتباه بأنه يجند  مقاتلين يابانيين لصالح الدولة الإسلامية إلا أنه لم يقبض عليه و لا ليوم  واحد . و ينكر البروفيسور ناكاتا كونه داعشيا ، و أعلن مرارا أنه ضد أفكار  كل من داعش و القاعدة بل و أيضا ضد أفكار جماعة الإخوان المسلمين . و ينشط  البروفيسور ناكاتا فكريا فى جهود تعود لأكثر من عشرين عاما مناديا «بوجوب  إعادة الخلافة الإسلامية و إسقاط الدولة القومية المعاصرة» و يرى أن الحدود  بين الدول هى ظاهرة غير إسلامية إلا أنه يطالب بعدم استخدام العنف لإزالة  الحدود أو لإقامة دولة الخلافة . و لناكاتا محاضرة مشهورة فى جامعة دوشيشا  ألقاها فى مارس 2011 و فند فيها ظاهرة العولمة و نادى بظهور «الخلافة  الجديدة» بأدوات سلمية . و يرى ناكاتا أن الخلافة فكرة صائبة على الرغم من  اقتناعه بصعوبة تحقيقها و هو يرى أن العمل فى سبيلها يعد التزاما دينيا  واجبا على كل المسلمين . و يعتقد كذلك أن نظام الخلافة الإسلامية هو النظام  المثالى لحكم كل المجتمعات البشرية ، و يراها نظاما يوفر العدل للجميع و  يراها تسمو فوق العولمة التى يدعو إليها و يناصرها أمريكا و الغرب . و  يعتقد البروفيسور ناكاتا أن نظام الخلافة تم تشويهه من الغرب بوصفه نظاما  سلطويا استبداديا على غرار النظام السوفيتى المركزى , و على العكس من تلك  الادعاءات يعتقد ناكاتا أن نظام الخلافة التى يحكمها الشريعة يقترب بشدة فى  فلسفتها من النظام القضائى البريطانى . و يؤمن كذلك أن نظام حكم الشريعة  هو نظام علمانى خالص حيث لا تتدخل دولة الخلافة فى علاقة المواطنين بربهم !  و لا يؤمن البروفيسور ناكاتا بنظريات المؤامرة و يعتقد أن التشوية الداخلى  للإسلام من داخل بلاد العرب و المسلمين أكبر من الاعتداءات الغربية و  الخارجية عليه .
تعليق : فيه عدة  افكار تستحق المناقشة بعمق من قبل المختصين و شرحها للعامة مثل محاضرته  التي يقول الكاتب أن البروفوسور فند نظرية العولمة و نادى بالخلافة .  الفكرة الثانية هيا بلا شك قراءة كتب ابن تيمية و فهمه عن قرب لكثرة ما  اثير حوله من لغط بين مؤيد و متهم له بالتطرف .