محمد ال الشيخ
يقولون : ليست الأنظمة الديمقراطية هي الأفضل على الإطلاق لكنها أفضل الأنظمة السياسية نسبيا ، و هناك من يتواضع أكثر و يقول : هي - على الأقل - أفضل الأنظمة السيئة حتى الآن . و في تقديري أن القضية تحتاج قبل أن نقبلها أو نرفضها إلى إضاءات على جوانبها المختلفة ، و لا يمكن حسب التجارب الإنسانية لتاريخ الديمقراطية إطلاق الأحكام على عواهنها . الديمقراطية هي بلا شك أفضل الأحصنة التي تقود عربة المجتمع نحو العدل و المساواة بين الأفراد ، و حماية حرياتهم و استقلالهم الفردي . غير أن المجتمع الذي هو هنا بمثابة العربة التي يجرها الحصان ، يجب أن تكون صالحة و مهيئة عجلاتها كي لا تلقي بهم في الهاوية . و السؤال الذي يطرحه السياق هنا : هل كل مجتمع من المجتمعات صالح بالضرورة لنجاح (أي) تجربة ديمقراطية أم أنه يحتاج أولا إلى أن يكون كأفراد ، و مفاهيم ، و مبادئ ، و قيم ، مهيئا لأن يتعامل مع الديمقراطية بمسؤولية . فالديمقراطية هي بلا شك سلاح قوي و فاعل تستطيع به المجتمعات (الناضجة) الدفاع عن نفسها ، و عن تلاحمها ، و قيمها ، لكن الفرد في المجتمع إذا لم يكن ناضجا ، واعيا ، فإنه سيكون كالطفل الذي تمكنه من هذا السلاح فيقتل به نفسه أو يقتل به غيره : بمعنى آخر فهي تحتاج من حيث المبدأ و قبل كل شيء إلى (الفرد الواعي) و المستقل ، و أن يكون على قدر معقول من العلم و المعرفة الذي يمكنه من اتخاذ قراره بحرية حسب قناعاته ، حتى و إن كانت هذه القناعات نابعة من مصالحه الشخصية . أما إذا كانت (الفردانية) بمعناها الشامل ضعيفة ، أو غائبة ، أو مغيبة ، أو أن هناك ضغوطا اجتماعية أو قبلية أو مذهبية تفرض على الفرد أن يكون بمثابة الخروف في القطيع ، هنا فإن آلية الديمقراطية لا يمكن أن تحقق المراد منها ، بل قد تؤدي بالمجتمعات إلى النزاعات و الحروب الأهلية ، أو قد (تصبح) معايير الأكثرية و الأقلية سببا لتسلط و ظلم الأقلية بالشكل الذي تنفرد فيه بالسلطة و الثروة ، الأمر الذي تصبح فيه الديمقراطية أداة تخلف و تدمير لا تنمية و تطوير و تعمير . لذلك ، و أقولها بملء فمي ، إن التنمية الشاملة التي من شأنها أن تحرر الإنسان من أغلال و قيود المجتمعات الماضوية ، كالقبلية و الطائفية مثلا ، هي النقطة التي يجب أن تبدأ الشعوب المتخلفة منها لكي تواكب الأمم المتحضرة ، و هنا يأتي التعليم في عملية تهيئة الفرد للتعامل الإيجابي مع الديمقراطية بمثابة حجر الأساس ، فجميع الدول التي كانت في الخمسة أو الستة عقود الماضية متخلفة ثم انطلقت إلى عالم التقدم و التحضر ، و بالتالي رفاهية إنسانها ، و استقرار و أمن مجتمعاتها ، ابتدأت بالتعليم . و أدق مثال على ما أقول كوريا الجنوبية و سنغافورا و ماليزيا التي كانت ديكتاتورية و انتهت بالديمقراطية . مشكلة الغرب أنه يتجاوز الإجابة على أهم سؤال في هذه الشؤون ، و هو هل الشعوب التي تحثونها بكل السبل على اعتناق الأنظمة الديمقراطية ، قادرة من حيث مفاهيمها و موروثاتها التراثية على أن تتعامل مع المفاهيم و المبادئ الديمقراطية بالشكل الذي يوفر لها الأمن و الاستقرار و بالتالي التنمية الاقتصادية ؟ في تقديري أن الإجابة على هذا السؤال المحوري هو : لا . و هناك من يريد أن يغير مجتمعاتهم المتخلفة بالقوة نحو الديمقراطية ، و يرددون : لا حل لإنجاح الديمقراطية إلا بمزيد من الديمقراطية دون أن يلتفتوا إلى تخلف إنسان هذه المجتمعات ، و تمسكه بموروثاته التي تنسف الديمقراطية من أساساتها و مسلماتها . كل ما أريد أن أقوله هنا ، إن أية ديمقراطية لا تبدأ من التعليم و تحرير الفرد من أغلال الموروثات ، و ترسيخ الفردانية ، لن تؤدي إلا إلى مزيد من التفكك و التطاحن و غياب ما هو أهم من الديمقراطية ، إنه (الأمن و الاستقرار). و خير مثال على ما أقول ديمقراطية العراق .
تعليق : اتفق مع الكاتب 100 % .