احمد المسلماني
على رأس الأزهر عالمٌ عظيم و إمامٌ جليل .. و فى أروقة الأزهر علماء و دعاة يمتلئون بقوة المعرفة و سمو الخلُق . لكن الأزهر العظيم الذى يضم إمامًا و أئمة و مأمومين أجلاء .. بات يواجه تحديات تحاول تهديد موقعه التاريخى باعتباره المؤسسة الإسلامية الأولى فى العالم . (1) يجب الاعتراف ابتداءً أن عددًا ممن دخلوا المؤسسة الرفيعة لا يملك ما يكفى من المعارف و القيم , و أن عددًا ممن ارتبطوا بجماعات الإسلام السياسى قد تحصل الكثير من الشهرة و المال دون أن يتحصل القليل من الفقه و العلم . يجب الاعتراف كذلك أن أعدادًا كبيرة ممن يلتحقون بالتعليم الأزهر ى أو يواصلون فى دائرة الأزهر هم مجرد أعداد تبحث عن شهادة و وظيفة .. دون تقدير لأى مكانة أو رسالة . و تمثل هذه الأعداد حشوداً عادية دخلت بضغوط العائلة لأسباب تتعلق بقرب المعهد الدينى , أو توافر المواصلات ، أو بسبب الاعتقاد السائد ببساطة التعليم و سهولة الامتحانات و ضمان التخرج . و من غير المتصور أن ينتظر أحد من هذه الأعداد أن تؤدى أى دور بارز فى شؤون الدين أو الدنيا .. ذلك أن ضحالة المستوى ، و ضعف اللغة ، و كراهية القراءة ، و احتقار البحث .. هى سمات غالبة . (2) يجب الاعتراف- ثالثًا - أن الصورة الذهنية الشائعة للتعليم الأزهرى هى أنه «التعليم الثالث» .. ذلك أن التعليم العام الأجنبى هو «التعليم الأول» و التعليم العام الحكومى هو «التعليم الثانى». و يتعامل المجتمع باستمرار باعتبار أن كفاءة و جودة التعليم الأزهر ى تأتى تالية للتعليم العام الحكومى .. و أن العائلات الأكثر جدية و التلاميذ الأكثر طموحًا يتجهون إلى التعليم العام .. لا التعليم الأزهرى . يجب الاعتراف - رابعًا - أن ضعف التعليم العام قد ساعد فى ضعف المنافسة .. و هبوط الطرفين .. حيث أصبحت الضحالة و الركاكة سمة عامة للتعليم و المتعلمين فى مصر . و بدلاً من أن تصعد جودة التعليم الأزهر ى إلى التعليم العام .. هبط التعليم العام إلى التعليم الأزهرى .. ليلتقى الاثنان عند المنخفض .. و لتهبط القوة الناعمة المصرية من أعلى الجبل ! يجب الاعتراف - خامسًا - أن الدولة لم تكن جادة فى أى لحظة فى دعم الأزهر أو تقوية مكانته . كانت المؤسسات السياسية تنظر إليه بعين الريبة و الشك و ترى فيه «الخطر المحتمل» و «العدو الذى يجب أن يبقى نائمًا». و لقد أعطت نظرة الدولة هذه فرصةً ذهبية لجماعات الإسلام السياسى من إخوان و سلفيين للعمل على ملء الفراغ و قيادة الخطر ! (3) و على الرغم من ذلك .. لم تتمكن جماعات الإسلام السياسى من الأزهر ، و ظلت محدودة فى المكان و المكانة .. لكن سطوة هذه الأقلية فى الحياة العامة قد توازى مع سطوتها على الخطاب الدينى .. من أجل أن تعلو «ثقافة الزعيق» على «ثقافة المعرفة»، و أن يغلب «الهتاف» على «الحوار» .. و أن يسطو «صوت الجهل» على «صوت الأزهر»! نجح الأشقياء لبعضِ الوقت .. غطت «المظاهرات» على «المحاضرات» .. و انتصر «التصفيق» على «الإدراك» .. و أصيب ملايين المسلمين حول العالم بالصدمة و هم يشاهدون أحداثًا متفرقة فى جامعة الأزهر .. طلابًا و طالبات .. يقتحمون و يشتبكون ، يحرقون و يكذبون ، يشعلون النار فى المبنى و المعنى ، و يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً . و بات المسلمون فى مصر و خارجها يتساءلون فى قلق : الأزهر .. أين ؟ و إلى أين ؟ .. و من الذى يتحدث باسم المليار مسلم ؟ (4) جاءت الثورة الحضارية فى الثلاثين من يونيو 2013.. لتعيد ما انقطع من التاريخ .. و ليتأكد إيمان الدولة و للمرة الأولى منذ عقود بأهمية الأزهر .. جامعًا و جامعةً كركيزة أساسية فى القوة الناعمة لمصر .. و ركيزة أولى فى القوة الناعمة للإسلام . (5) يبلغ عدد المسلمين فى العالم (1.6) مليار نسمة و قد جاءت موجات الإسلام السياسى ثم موجات الإرهاب الأسود لتضرب المسلمين بالمسلمين و تخرج القوى العظمى من بينهم سالمين . جاءت موجات الإسلام السياسى لتضيف إلى الواقع البائس للمسلمين مشاهد الذبح و الرق ، المشافى و المساجد ثم لتصل بالدراما السوداء إلى مدى مثير حيث نسف الجنازات و قتل المشيعين ! (6) و بعد عام من «خلافة داعش الأمريكية» سقطت الموصل ثم الرمادى فى العراق و سقطت الرقة ثم تدمر فى سوريا . و من الممكن أن تمتد داعش التى تحتل نصف سوريا و العراق لتصل إلى دمشق و بغداد فى عامها الثانى . هكذا يمكن أن تسقط عاصمة الخلافة الأموية و عاصمة الخلافة العباسية تحت قبضة «الخلافة الأمريكية»! (7) وسط ذلك كله يشعل الغرب حربًا مذهبية تمضى من درك إلى أسفل لتصبح خريطة الإسلام فوضى من جماعات الإسلام السياسى السنية و جماعة الإسلام السياسى الشيعية و كل جماعة تلعن أختها ! هنا التحديات التى يواجهها الإسلام دينًا و دنيا .. و هنا المحنة التى تواجهها المؤسسة الإسلامية الأولى فى العالم . (8) اليائسون لا يبنون وطنًا و لا مستقبلاً .. و المحبطون هم عبء على أنفسهم و على الآخرين .. و صناعة الأمل هى الصناعة الأم فى العصر الحديث . يمكن للأزهر أن يعيد الهيكلة الوظيفية و الفكرية .. و يمكنه أن يعيد ترميم الداخل قبل الانطلاق إلى الخارج . و يمكنه كذلك أن يقدم أجيالاً جديدة من الدعاة .. و علماء جددًا فى الفقه و التفسير و الحضارة .. و يمكنه أيضًا أن يواصل ما ابتداه الإمام الأكبر من تنظيم و تفعيل الرابطة العالمية لخريجى الأزهر . و إذا كانت هناك أعداد كثر للتطرف و الجهل فإن الأكثرية الساحقة هى مع الاعتدال و الاتزان . و إذا كان هناك من دعم لدعاة جهنم فإن أكثر من مليار مسلم جاهزون لدعم الحكمة و الموعظة الحسنة . و إذا كانت القوة الصلبة للغرب ساعدت القوة الغاشمة للتطرف فإنه يمكن هزيمة الاثنتين معًا بالقوة الناعمة للإسلام . حفظ الله الجيش .. حفظ الله مصر