محمد فهد الحارثي
سؤال يكرره كثيرون : ما الذي يجعل إنساناً بكامل إرادته و عقله يذهب ليقتل الآخرين و يقتل نفسه ؟ و ما هي الأسئلة التي يطرحها على نفسه و هو في طريقه لهذا العمل الانتحاري ؟ و ما هذا الشيء الذي يعمي البصيرة لدرجة أنه لايرى إلا الدم و القتل و التفجير ؟ و كيف يمكن الربط بين من يفكر بهذه الطريقة و بين الدين الإسلامي و هو دين سلام و محبة و كثير من النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية تدعو للإخاء و عمل الخير و السلام و تحرم قتل النفس بغير حق ؟ و قد أوضح علماء و مراجع دينية كهئية كبار العلماء في السعودية و الأزهر في مصر على حرمة الأعمال التكفيرية و التطرف و الغلو في الدين و أن الإرهاب يعرض مصالح الأمة لأعظم المخاطر ؟!. هذه الفتاوى القاطعة تجعل الفصل واضحاً بين الدين الإسلامي و الإرهاب الذي منبعه التطرف و المنهج التكفيري . و يفترض أن أي شخص مقدم على عمل انتحاري حتى لو كانت قناعاته قوية بفكره فعلى الأقل تمر هذه الفتاوى في فكره فتجعله على الأقل يتردد أو يتساءل . لكن الشيء الصعب هو تفسير كيف يستطيع أن يمحي كل هذا من تفكيره و يواصل مشروعه الإرهابي بكل ثقة ؟ّ!. يرى علماء نفس أن المشكلة في جوهرها نفسية ، فالبحث عن المعنى لدى الفرد تقوده أحياناً إلى ممارسات خاطئة رغبة منه في أن يجد معنى لحياته . فلذلك تجد النسبة الأكبر من الذين يتورطون في الأعمال الإرهابية هم الشباب صغار السن الذين يستغلون حماسهم و رغبتهم في تحقيق إنجاز في حياتهم . و ربما تجتمع هذه الرغبة مع حالة إحباط من واقعه فيجد في هذا الجو الملاذ الذي يمكن أن ينتمي له و يجد في داخله مجتمعاً يحتضنه و يعطيه التقدير و الاحترام الذي هو في أمس الحاجة له . فتحقيق المعنى في حياة الإنسان يرتبط بإنجاز أو نجاح أو حتى عمل عادي يستطيع أن يعيش حياة عادية . لكن غياب هذه العناصر و الرغبة في تحقيق معنى لحياته تجعله يذهب للحلول القصوى لأنها حاجة روحية و ليس فقط مادية . و بطبيعة الحال العاطفة الدينية تجعل الشخص يجد في هذا التوجه متوافقاً مع عاطفته و في نفس الوقت يكسب الرضا الاجتماعي و التقدير من الوسط الذي يعيش فيه . المتطرف في داخله شخص مرتبك و الصورة بالنسبة إليه ضبابية و لذلك يحاول أن يذهب للحد الأقصى في الفكرة أو الاتجاه لأنه خائف من داخله و بالتالي هو يشعر بالأمان الخادع . و صغار السن عادة ليسوا متعمقين في المعرفة و العلم و لذلك يتجاوزون هذه النقطة بمرجعية الافتاء من أشخاص حولهم يستغلونهم و يعطونهم فتاوى تشجعهم على التوجه المتطرف و المنهج التكفيري . و ما يرضي المتطرف هو كسب ردود الفعل لأن تطرفه هو وسيلة للظهور و لفت الانتباه . و التطرف أحياناً قد يكون في أشكال أخرى حتى المتطرف في التشجيع الكروي قد يذهب لدرجة الهوس و التصادم مع الآخرين بسبب تشجيعه . لكن ما يفرق بين التطرف في تلك الأمور و التطرف الديني أن الدين له تأثير و هيبة و عاطفة فتستغل من قبل من يقود هولاء الشباب و يلوون معاني النصوص بحيث تتوافق مع هواهم و بالتالي تكون النهاية القتل و التدمير . يكشف مختصون يعملون في لجان المناصحة في السعودية و هي لجان تختص بالشرح و التفسير لهولاء الشباب خطأ تفكيرهم و توجهاتم لإعادتهم إلى جادة الصواب . يقولون أن بعض هولاء المتطرفين كانوا ذوي سوابق و مدمنين و مروجي مخدرات و من ثم في نقطة معينة في مسار حياته يتجه إلى العكس تماماً و يتطرف في توجهاته و يصل إلى حد المشاركة في علميات أرهابية دموية . و يبين علماء اجتماع أن بعض المجتمعات تكون حادة في تعاملها مع الأفراد و لكن إذا ارتدى الشكل الديني الملتزم فإن هذا يمنحه قابلية و إعجاب في المجتمع . و كما يصفها أحدهم بأن الرغبة في «الترزز» و هي كلمة سعودية تعني أن الشخص يظهر تميزه في وسطه الاجتماعي سواء كان يملك مقومات أم لا ، فهو يهتم بالظهور و جذب الانتباه و بالتالي تتقاطع الرغبة النفسية مع الواقع الاجتماعي مع تركيبة المجتمع و طريقة تفكيره لتدفع الشخص في تيار يصبح مندفعاً فيه . المشكلة إذا اتخذ الشخص هذه الطريق ليس عن قناعات صادقة و لكن كوسيلة لكسب إعجاب المجتمع و تقديرهم . و المشكلة الأخطر إذا تمادى في هذا التوجه و وصل إلى مرحلة اللاعودة و من ثم تورط في الانتساب إلى واحدة من الجماعات المتطرفة الإرهابية . أن خطورة تزايد هذه المنظمات الإرهابية و وجود الفكر المؤيد أو على الأقل المتعاطف معها يطرح سؤالاً عن فعالية مواجهة الفكر المتشدد و هل استطاعت الخطط التي وضعت و المحاذير التي شرحت من الحد من هذا الفكر المتطرف ؟ هناك أسباب كثيرة تحتاج إلى دراسة و مراجعة متعمقة و دور أكبر لعلماء النفس و الاجتماع . إن المواجهة الأمنية مهمة للتخلص من مخاطر هذه المنظمات لكن المواجهة الفكرية هي التي ستقطع جذور هذه المنظمات لأنها هي و إن خسرت في المواجهات الأمنية إلا أنها تتغذى من جديد من خلال رئة الفكر الذي يعمي بصيرة الشباب و يقودهم إلى التهلكة في حرب أصعب ما فيها أن الرابح و الخاسر من أبنائنا .