ديانا مقلد
وصف الكاتب الفرنسي المعروف كلود أسكولوفيتش وزيرة ثقافة بلاده بأنها «بربرية» .. هل تعرفون لماذا نعتها بهذا الوصف القاسي ؟ فعل ذلك لأن الوزيرة أقرت في مقابلة تلفزيونية بأنها لم تقرأ كتابا واحدا منذ سنتين ، و أنها لم تطّلع على أي مؤلَّف للروائي الفرنسي باتريك موديانو و هو الكاتب الفرنسي الـ15 الذي يحصل على جائزة نوبل في الأدب . و ليس هذا الكاتب وحده من هاجم الوزيرة فقد بدا كما لو أُصيب مثقفو بلد «سارتر» و «موليير» في مقتل جراء ما أقرت به المسؤولة الحكومية فهبوا ينتقدونها و يشنون عليها حملة شرسة بغية دفعها للاستقالة . هنا كم تبدو المفارقات مهمة فالوزيرة الفرنسية تعرضت لهجوم عنيف و وُصفت بأنها «بربرية» لكونها لم تقرأ كتابا منذ عامين بعد أن قالت في مقابلة إن مشاغلها الوظيفية لم تُتِح لها قراءة كتاب . في بلادنا قد يُلاحق البعض و يُدان لقراءته كتابا أو لتأليفه مثلا . هذه المفارقة بدت فاقعة الأسبوع الماضي إذ لم تفصل سوى أيام قليلة بين الهجوم على وزيرة «لم تقرأ» و اعتقال طالب مصري كان «يقرأ»! صحيح أنه تم إطلاق سراح الطالب لكن حقيقة أنه اعتقل و تم التشهير به و اعتبار الكتاب الذي كان بحوزته دليلا من دلائل الإدانة ليس بتفصيل هامشي .. ففي البيان الرسمي الذي روى حكاية اعتقال الطالب ورد ما حرفيته أنه جرى توقيفه في محيط جامعة القاهرة و بحوزته الرواية الشهيرة «1984» لمؤلفها جورج أورويل التي تنتقد فكرة «ديكتاتورية الأنظمة العسكرية» يالهوي .. كم هي شاسعة و ظالمة تلك المسافة بين استفظاع عدم قراءة الوزيرة و «جريمة» أن يقرأ طالب . فحين وصف الكاتب أسكولوفيتش الوزيرة بأنها «بربرية» علل ذلك بأن إقرار وزيرة للثقافة بأنها لا تقرأ يعني أن المسؤولين ليسوا سوى «حفنة تكنوقراط و واضعي ميزانيات». في عرفه فإن المسؤول الذي لا يملك أفكارا و لا سعة أفق و معرفة و لا يواكب المتغيرات الثقافية ليس سوى موظف تقني . أليست تلك ذروة معاني المواطنة ؟! كم هي مغوية أن يتمكن كاتب أو أي فرد من محاسبة مسؤوليه و مسؤولاته ليس على خطأ تقني فحسب بل على ضيق في الأفق أصابهم . في مقلبنا نحن نحاسب طالبا قرأ رواية . و هذا الاستنتاج ليس فيه افتراء فإطلاق سراح الشاب لا ينفي الحادثة و لا يخفف من فداحتها و لا يبدد الظروف التي تراكمت و سمحت بحدوثها و بحدوث العديد من الارتكابات المماثلة . أليس توقيف كاتب بحجم الفرنسي آلان غريش في مقهى قاهري لأن «مواطنة» سمعته يتحدث بالسياسة و اعتبرته مصدر خطر بإنذار لما تسير الأمور نحوه أو ما باتت عليه فعلا ؟! نعم أطلق سراح الكاتب غريش أيضا و تم الاعتذار منه لكن كم كشفت لنا هاتان الحادثتان . فها نحن نعود إلى الدائرة المقفلة التي تتحكم بها أجهزة تستسهل العشوائية في الاعتقال و تبرر توقيف طالب بأنه قرأ رواية . حين تشعر مواطنة بأنها يمكنها الوشاية لدى الأمن بأشخاص يتحدثون علنا في مقهى فهذا انحدار بالمواطنة وليس ارتقاء بها تماما كما هو الشعور بأنه يمكننا إدانة أحد لأنه قرأ كتابا ما . إذن نحن أمام عودة على بدء، فلطالما كانت الكلمة هي البدء .
تعليق : كلام خطير جدا", مش هذا اللي نتوقعة بعد كل اللي صار ؟ الظن طيب في السيسي اتمنى ما يكونو الحاشية ملكيين أكثر من الملك و يعيدو سطوة امن الدولة التي ارعبت الناس قبل الثورة . إذا كان هذا الشي يتم بعلم السيسي فقد ارتكب خطاء كبير و بعد زوال هوجة الأخوان سيشعر المصريين بالضيق اللي شعرو فية من قبل من الذل و الاستهانة بكرامة الناس من قبل الشرطة و امن الدولة و هذا طريق معروف نهايتة .