
عبدالله بن بخيت
إذا لم أكن في الرياض فكل المقالات التي تقرأها في هذه الزاوية كتبت في  مكتبة عامة وسط مدينة تورنتو . صادف أن كان بجوار مسكني مكتبتان عامتان ,  الأولى مكتبة الحي و الثانية مكتبة مرجعية ضخمة . لي أن أختار بين الاثنتين  ببطاقة عضوية واحدة , لا اعتقد أن أيا من سكان مدينة تورنتو او كندا بأسرها  لا يملك بطاقة عضوية مكتبة تطلبها مجانا قيمتها عند الاستعارة فقط . من  ميزة المكتبات العامة أن تنقل مكتبك الشخصي إليها كما فعلت , بعد مداومة  أربع سنوات اكتشفت أن المكتبة لم تخلق للكتب فقط . تصنع أجواء بحثية و تمنحك  زاوية صغيرة هادئة تجلس فيها . المكتبة فضاء تأملي تصنع بخيالك فيه ما تشاء .  مع التطور التقني تستطيع أن تبحث عن أي كتاب تحتاجه من المكتبة من خلال  جهازك الخاص عن طريق الإنترنت . خلاصة القول اكتشفت أن العمل من داخل  المكتبة أكثر جاذبية و أكثر إنتاجا , أدخل المكتبة الساعة التاسعة و النصف  و يمضي بي العمل لأفاجأ أن الساعة بلغت الثالثة دون توقف . من تجربتي  القصيرة مع المكتبة في كندا اكتشفت أن المكتبة العامة ليست مكانا للتثقف  و القراءة و لكنها شيء أبعد و اعمق , تعكس الفرق بين الشعوب . الشيء الملفت للنظر  أن زوار المكتبة من جميع الأعمار و من جميع الأجناس ذكورا و إناثا (طبعا) .  بقدر ما تشاهد من خلق عظيم في المولات و أماكن التسوق تشاهد في المكتبة . عندما  كنت في الابتدائية و بعدها في المتوسطة كان ثمة مكتبات عامة في الرياض  ارتبطنا بها بطريقة أو أخرى . لا أنسى أول مقال كتبته في حياتي كان عن  الحياة الاجتماعية في اليابان . ( طبعا تسألني وش جاب على بالك اليابان)  بصراحة لا أعرف و لا أتذكر السبب . الاحتمال أن اليابان في تلك الفترة كانت  للتو خرجت من تجربة حرب مريرة و بدأت في النهوض فاستهوتني أخبار نجاحاتها  فقررت أن أحييها بأول مقال اكتبه في حياتي . و لأني لا أعرف أحدا في  الرياض في ذلك الحين يتكلم اليابانية أو يعرف وين درب اليابان معه لجأت  لمكتبة تقع في الطرف الشمالي من شارع الوزير ، بجانب المتوسطة الثانية أخذت  كل معلوماتي عن اليابان منها . اعتدنا أنا و عدد من أصدقائي أن نذهب إلى  شارع الوزير و عندما نمل من الفوضى التي نحدثها هناك نتجه إلى المكتبة . قرأت  في تلك المكتبة عن اليابان عن الميثولوجيا اليونانية و قرأت قصائد لشاعر  فرنسي اسمه بول ايلوار و قرأت أيضا روايات تشارلز دكنز و غير ذلك كثير . لعل  بعضكم لا يصدق أن هذا يحدث من طالب في المتوسطة في الرياض قبل أربعين سنة  أو أكثر لكن هذه الحقيقة و علي أن أشير إلى أن هذه ليست تجربتي وحدي بل  تجربة كثير من أصدقائي في ذلك الزمن . ما الذي كان سيحدث و ما الذي يمكن أن تكون عليه البلاد الآن لو أن الأمور مضت على ما كانت تسير عليه في ذلك الزمن ؟ حدثت  خضات كثيرة فكان أول ضحاياه الكتاب و المكتبات . ما حدث غيب مفهوم المكتبة  الثقافي الذي كان يتنامى باطراد في وعي المجتمع و أوقف عملية ترسخ قيمة  المعرفة العقلانية في أذهان الأجيال التالية . كانت الرياض تزخر بالمكتبات  التجارية أيضا , كانت المكتبات التجارية على نوعين : نوع تقليدي يبيع الكتب  التراثية و الدينية و الصفراء (معظمها في البطحاء) و نوع ثان يبيع الكتب  الحديثة . فجأة اختفت مكتبات الكتب الحديثة و الأسوأ أن اختفت من المكتبات  التقليدية كتب الأدب العربي الجميل , انسلخت مكتبات الرياض من العصر الحديث  و من الفنون و الآداب و من المعرفة العقلانية وصار الذي صار .
 
تعليق : هذا كلام خطير جدا" ؟ لانه اذا كان هذا صحيح من أن مكتبات الرياض انسلخت من العصر الحديث فهذا اعتداء على فكر بلد كامل و تجهيل متعمد يجب أن يعرف من وقف وراءه و محاسبته ؟ لذلك ترى هذا التعصب الاعمى و عدم احترام الاختلاف بين ما يسمى بالملتزمين دينيا" , و كذلك قلة التسامح و قبول المختلف .