
عماد الدين حسين
شخصيا كتبت عن هذا الموضوع كثيرا . و للأمانة فإن النظام ارتكب مجموعة  كثيرة من الجرائم الكبرى مثل إشاعة الفساد و الاستبداد و وصول التعليم و الصحة  إلى أسوأ حال ممكنة ، و تقزيم دور مصر الإقليمى . لكن الجريمة الأخطر انه قتل  و جرف الحياة السياسية الطبيعية و بالتالى سلّم مصر إلى الإخوان و التيارات  الظلامية المتطرفة . ليس حسين طنطاوى و المجلس العسكرى هو من سلم مصر  للإخوان ، الذى فعل ذلك هو حسنى مبارك و نظامه و لا أحد غيره ، و لو أن الامور  تسير بصورة طبيعية لكان تمت محاكمة مبارك و مساعديه على هذه الجريمة و ليس  بتهمة شراء فيللا فى شرم الشيخ بأقل من سعرها أو توسيع منزله فى القاهرة  على حساب الدولة . قبل أيام كنت أتحدث مع مسئول مصرى كبير عمل مع مبارك  و يعرف خباياه . الرجل استفزه كثيرا مشهد استعراض مبارك و رموز عصره أمام  كاميرات التلفاز من داخل قفص المحاكمة . المسئول الكبير قال انه لم ير أغبى  من هذه القيادات سياسيا إلا قادة الإخوان . قال الرجل الذى احتك بقادة  الحزب الوطنى و الاخوان على السواء ان حبيب العادلى صال و جال فى مرافعته  و كاد يوهمنا أنه سيخرج فورا من القفص ليعود لمنصبه وزيرا للداخلية لكى يعيد  إلينا الأمن المفقود !!. يسأل هذا المسئول الذى لا أشك فى وطنيته سؤالا  منطقيا هو : إذا صدقنا كلام العادلى و مساعديه و إذا كانوا فعلا سيطروا على  جماعة الإخوان و كل حركات قياداتها ، فكيف سقطت الوزارة فى غمضة عين و معها كل  شىء ؟! 
قد يرد العادلى و رجاله بأن المؤامرة كانت محكمة من كل الجهات  الأمريكية و الإسرائيلية و القطرية و التركية و البدوية و الإخوانيةّّ !! و حتى  اذا افترضنا أن ذلك أيضا صحيح فإن الجريمة الأكبر التى ارتكبها العادلى انه  فعلا سيطر على تحركات جماعة الإخوان و سائر جماعات الإسلام السياسى بحيث  يبعدها عن تهديد نظام حسنى مبارك لكنه فى المقابل سلمها مصر بأكملها و هو  الأمر الذى باركه النظام باكمله . مبارك عمليا وقع «الصفقة المحرمة» مع  الإخوانحينما حارب كل الأحزاب و القوى السياسية المدنية و المنظمات الحقوقية  و منظمات المجتمع المدنى و حاصرها و قتلها و ترك المجتمع يسقط فريسة فى يد  الإخوان و السلفيين . ترك لهم النقابات و الهيئات الخيرية و حتى الأندية  الرياضية إضافة إلى شركات اقتصادية كثيرة . و بدلا من مساعدة الأحزاب المدنية  و التقدمية تقاسم مع الإخوان مقاعد مجلسى الشعب و الشورى و المجالس المحلية  و انشغل بمحاربة السياسة بشكلها الطبيعى . جريمة حبيب العادلى الكبرى انه  حمى نظام حسنى مبارك و لم يدعم النظام السياسى المصرى ، و لذلك عندما سقط  مبارك سقط المجتمع آليا فى قبضة الإخوان . إذا كان حبيب العادلى يعرف دبة  النملة و يعرف كيف يفكر الإخوان و كيف يتحركون فلماذا لم ينبه مبارك  و المجتمع إلى الزلزال القادم ؟ لماذا لم يخبره أن الإخوان سرقوا كل شىء ،  وان الأحزاب السياسية ضعيفة و أن المجتمع المدنى مفكك و البلد بأكمله سيسقط  إذا سقط النظام ؟! كان مبارك و العادلى يسمحان للاخوان بفعل كل شىء إلا  تهديد كرسى الرئيس ، و حتى الذين كانوا فى السجن من غالبية قيادات الاخوان  يعرف القاصى و الدانى انهم كانوا يقضونها فى المستشفيات بل ان بعضهم كان  يحظى بالخلوة الشرعية !! تلك هى جريمة مبارك و العادلى الحقيقية .. هم كانوا شركاء للإخوان و ليسوا أعداء لهم ، و غير ذلك هو من قبيل التهريج .. فارجوكم توقفوا .
*نقلاً عن "الشروق" المصرية