سامي النصف
الفارق الأساسي بيننا كدول عالم ثالث متخلفة و الدول المتقدمة المنجزة ليس قطعا في الجينات بدلالة التخلف الشديد لكوريا الشمالية مقارنة بالتقدم الشديد لكوريا الجنوبية رغم أنهما تنتميان لشعب واحد ، و قبل ذلك الفارق الملحوظ بين منتجات ألمانيا الشرقية و منتجات ألمانيا الغربية رغم انهما كذلك تنتميان لشعب واحد ، ما يلغي نظرية الجينات العنصرية ، و هو أمر نلحظه في بروز كثير من عرب المهجر و نجاحهم الباهر ، بل حتى في الفارق الكبير بين بعض الدول العربية التي تصنف على أنها دول فاشلة رغم وفرة مواردها و دول عربية ـ أغلبها خليجية ـ انتقلت من تصنيف دول العالم الثالث إلى دول .. العالم الأول ! و إذا ما علمنا أن الجينات ليست هي السبب في الفارق بين نجاح و فشل الدول فالحال كذلك لمن يدعي أن الديموقراطيات و منح الحريات هما السر حيث واقعنا المعيش لا يثبت ذلك على الإطلاق ، فهناك على سبيل المثال دول عربية لديها جرعات زائدة في الديموقراطية و الحرية تعاني من الفشل الذريع و التخلف و التفكك و الحروب الأهلية ، تقابلها دول عربية شديدة التقدم و التطور و الثراء و لكن لا توجد ديموقراطيات و حريات فيها و هو أمر يمتد إلى خارج الإقليم ، حيث نلحظ التقدم و الثراء الشديد لسنغافورة و هونغ كونغ و حتى الصين الأم رغم عدم وجود ديموقراطيات فيها . إن المتسبب في الفارق بيننا و بينهم و حتى بيننا و بيننا كدول عربية هو نهج الاختيار ، فالدول المتقدمة تختار الأفضل لتحمل المسؤوليات في جميع القطاعات بينما تقوم الدول الفاشلة باختيار الأسوأ ، كذلك تحرص المجتمعات المتقدمة على مبدأ الشفافية الحقيقية و الاستخدام الأمثل للموارد المالية بعيدا عن الفساد بينما تكتفي المجتمعات المتخلفة بالشفافية الصورية و تقبل التجاوزات و هدر الموارد تحت مختلف المسميات ، و تتبنى الدول المتقدمة الأنظمة التعليمية المتطورة القائمة على الكيف لتلبية حاجات المجتمع القائمة و القادمة بينما تعتمد الدول المتخلفة على الأنظمة التعليمية الزائفة القائمة على الكم ، فينتهي الحال بها إلى وجود أعداد هائلة من أصحاب الشهادات غير المنتجة التي تستنزف موارد الدولة و تختفي تحت راياتها أمية فاضحة ! آخر محطة : (1) إن من يدعي حسدا و غيرة أن ما نراه في بعض دول الخليج التي قفزت في كل المؤشرات الدولية إلى مصاف العالم الأول هو حضارة حجر لا بشر مخطئ حتى النخاع ، فهناك فجوة حضارية ستنشأ في المستقبل القريب بين شباب بعض تلك الدول الخليجية التي تهتم بالتعليم النوعي و المتقدم لشبابها و بين شباب الدول التي لا تهتم بالتعليم في الإقليم و يكتفي أبناؤها بالشهادات المزيفة و المشتراة . (2) عبر التاريخ لم ينهض البشر و لم يتطوروا إلا و صاحبت ذلك نهضة بالحجر و هذا تماما ما نشهده في بعض دول الخليج .