[البرواز و الصورة]

علي سالم

العدل أساس الملك. لا أهمية لمعرفة هذه المقولة. المهم هو أن تعرف أن الموسيقى هى أساس العدل. فى مجتمع غابت عنه الموسيقى ، من المستحيل على حكامه ومواطنيه ممارسة العدل . وإذا كان الناس يستحقون حكامهم ، فهم أيضا يستحقون موسيقاهم وموسيقييهم . أريدك أن تلاحظ أن كمية الأكاذيب التى يضخها عليك نجوم الفضائيات من كل الاتجاهات ، هى بذاتها ما تتسم به أغانى هذه الأيام . لست موسيقيا وربما لا أكون سمّيعا جيدا ، غير أنى أدرك أن البشر لا يتعلمون العدل , بل يشعرون به تماما كالحب والكراهية وبقية العواطف الجميلة والرديئة . هذا الكون ليس مكونا من أشياء بل من أنغام تتولى بدورها تحويل هذا العالم إلى أفكار جميلة أو شريرة.

كان لابد من هذه المقدمة الطويلة لكى أقول لك إن دستورنا الجديد يفتقر إلى الموسيقى ، إلى النغمات التى تكفل له الوصول إلى أفئدة البشر ، وهو ما عبر عنه أساتذة الدستور بوصفه عيبا فى الصياغة ، هم بالطبع يعنون أن صياغته أقل جمالا مما يجب للدساتير. هناك تعريفات عديدة للأسلوب ، غير أن التعريف الوحيد الذى أشعر تجاهه باحترام كبير هو ذلك الذى يقول إن الأسلوب هو «صوت الكلمات على الورق». نحن لا نكتب الكلمات بل نعزفها ، ولا نقرؤها بل نسمح لها بالتسلل إلى قلوبنا وأرواحنا لتملأنا بالمعرفة والجمال.

صوت الكلمات فى هذا الدستور لايمكن وصفها بالنعومة والجمال ، كما لو كانت كلمات لشخص لا يحمل لك الخير . كما لو كانت أغنية أُرغم شخص ما على تأليفها وأُرغم شخص آخر على تلحينها ثم أرغم فريق من العازفين على عزفها بقيادة مايسترو قاس عنيد ، والمطلوب الآن إرغام الشعب كله على أن يغنيها .. دعونى أذكّر بعض العجائز بتلك الأيام البغيضة التى أرغموا فيها على الغناء بصوت مرتفع فى ساحة السجن الحربى.. «يا فلان يا مثال الوطنية». كانت هذه هى المرة الأولى وربما الأخيرة فى التاريخ التى تستخدم فيها الموسيقى فى تعذيب المساجين ، لماذا تعذبون الناس بالطريقة نفسها التى عذبتم بها من قبل ؟

إن جمال أى لحن لا يتوقف فقط على جمال جُمله اللحنية وحروفه ، بل أيضا على السكتات فيه . السكتات تعطى المستمع فرصة أكبر فى الاستمتاع واستيعاب اللحن . هذا هو ما يجب أن يفهمه رجال السلطة فى مصر . لايجب تحويل حكاية الدستور إلى معركة يخوضها المصريون ضد بعضهم البعض .. يا أهل المغنى ، دماغنا وجعنا ، دقيقة سكوت لله.

* نقلا عن "المصري اليوم" المصرية

تعليق : مقال رائع اشمل من موضوع الدستور , استمتعت و استفدت من فكرتة و انصح بقراءاتة . مثل هذة المقالات ترقى بحسك الفني و المعرفي . فاذا كنت تحس نفسك فاهي و سطحي و مخك تعبان انصحك بقراءاتة أكثر من مرة لتثبيت الفائدة و الله المستعان على ما تصفون.