عرض مشاركة واحدة
قديم 23-07-2025 , 06:47 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,421
أخر زيارة : 26-07-2025 09:24 PM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon37 حول استحالة نهاية الفلسفة



فهد سليمان الشقيران

في النصف الأخير من القرن العشرين راجت أحاديث النهايات . نهاية الجغرافيا ، ونهاية الإنسان ، ونهاية الفلسفة ، وهذه النهاية تحديداً أي نهاية الفلسفة هي ما سأشرحه بهذه المقالة . كتب الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر كتابه بعنوان : « نهاية الفلسفة ومهمة التفكير» عام 1964. أسس لفكرته بتبريرين اثنيْن ، أولهما : أن الفلسفة قد بلغت ذروتها ولم تعد قادرة على تقديم المزيد من الإجابات حول الوجود . ثانيهما : أن الفلسفة قد بلغت وهجها مع اليونانيين ، وانتهت مع هيغل ، وبالتالي لم يبق إلا « التفكير التأملي العميق »، وهذا الشطر الثاني من عنوان كتابه . من بعده هرع الفلاسفة وبخاصةٍ الفرنسيين منهم بغية تحويل هذه الفكرة إلى نقطة تحول ، ومن هنا بدأت أفكار فلاسفة الاختلاف الذين وجدوا في مفهوم « التقويض-Destruktion » أساساً لبناء مشاريعهم المتمايزة ، ولكن الأرضية التي انطلقوا منها واحدة . صحيح أن نيتشه أثر عليهم ولكن تأثير هيدغر كان أكثر عمقاً ، وأخص بذلك «جاك دريدا»، و«ميشيل فوكو»، و«جيل دلوز». لقد نزعوا عن الفلسفة هالتها . اعتبروها ساحة تمرين على فهم الأشياء كما في عنوان كتاب فوكو « الأشياء والكلمات »، وهو أهم كتبه . بينما جيل دلوز تساءل في كتابٍ مشترك مع فليكس غيتاري « ماهي الفلسفة » ثم أجاب : «هي صناعة المفاهيم». هذا الجو العام حول نهاية الفلسفة بالتأكيد خلق نظريات مؤثرة ، ولكن الفلسفة خاتلتهم . ومجرد اشتغالهم بفكرة نهاية الفلسفة بطريقةٍ فلسفية يعني أن الفلسفة لم تنته . وظيفة الفلسفة باقية لأنها ساحة حربٍ نظرية دائمة ، كما يعبر الفيلسوف لويس ألتوسير في كتابه : « تأهيل الفلسفة للذين هم ليسوا بفلاسفة »، حيث كتب : « بالفعل ينبغي تصور الفلسفة ، أي مجموع الفلسفات على اختلافها في كل حقبة ، على أنها ساحة حرب نظرية . وكان كانط يطلق على الفلسفة السابقة ، « فلسفة ما وراء الطبيعة » (الميتافيزيقا) ، التسمية المذكورة تحديداً (والتعبير له) « ساحة حرب » (Kampfplatz)، كونه كان يطمح إلى تعميم « السلام الدائم » الذي تؤمنه سيطرة الفلسفة النقدية ، (عن طريق تحقيق انتصار فلسفته هو دون سواها ، ونزع سلاح الفلسفات الأخرى كافة ). ويقول : « ينبغي أن نضيف : إنها ساحة حرب وعِرة التضاريس ، احتفرتها خنادق المعارك القديمة ، وانتشرت فيها التحصينات الشائكة المهجورة التي احتُلَّت وتكرر احتلالها ، ساحة حرب حملت من الأسماء ما يحيي ذكرى المعارك التي تميزت بشراستها ، وتبقى عُرضة لانبعاث كتائب منبثقة من الماضي مجدداً ، وملتحقة بالقوات الجديدة التي تتقدم ». الخلاصة ، أن فكرة نهاية الفلسفة هي جزء من حيوية المسار الفلسفي الدائم . إنها ليست مثل النهايات التي تتعلق بالاستراتيجيات أو الجغرافيا . الفلسفة فضاء ممتد وله تحولاته وإرثه ، واية ذلك أن مقولات النهايات انتهت ، وبقيت الفلسفة فعالة ومفاهيمها مؤثرة على السياسات والعلوم بل وحتى على المستجدات . الفلسفة بطبيعتها فضولية وهي الان تتدخل في موضوعات طبية وفنية وتقنية وآخرها صرعة الذكاء الاصطناعي الخارقة .