صالح إبراهيم
ينعقد مؤتمر القبائل الليبية يوم الأربعاء القادم أي في السابع من أكتوبر بمدينة سلوق بالمنطقة الشرقية , و إن اختيار التاريخ و المكان له دلالات تاريخية مهمة في وجدان الشعب الليبي منذ بداية القرن الماضي حتى الآن . ففي السابع من أكتوبر عام 1911 بدأ الغزو الإيطالي لليبيا و الذي استمر أكثر من أربعة عقود إذ انتهى بهزيمة المحور و انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ، و تحول ليبيا من دولة تحت الاحتلال الإيطالي إلى الانتداب البريطاني الأميركي الفرنسي ، و لهذا فإن التاريخ له دلالاته لدى الشعب الليبي و كذلك المكان ، حيث أن سلوق هي المكان الذي شنق فيه عمر المختار عام 1936 أمام حشد من الليبيين حتى يبين موسيليني و قرسياني نهاية المقاومة الليبية التي استمرت ربع قرن من الزمان ، كما أن معمر القذافي قد أعطى بعدا تاريخيا لعمر المختار بنقل رفاته من بنغازي إلى سلوق و شيد نصبا تذكاريا له في المكان الذي شنق فيه . كما أن مقاومة الليبيين للاستعمار الإيطالي كانت مقاومة قبلية حيث تشكلت كتائب المقاومة أو ما سمي بالأدوار على عدد القبائل الليبية ، لهذا فإن القبيلة في ليبيا تلعب دورا أساسيا في القضايا المحورية الداخلية و الخارجية و إن تجاهل هذا الدور سيعقد الحالة الليبية سياسيا و اجتماعيا و يضر بالأمن الوطني . إن ليبيا و منذ استقلالها عام 1952 تعاني ممن أصبحوا يمثلون النخب السياسية التي فشلت حتى بعد 2011 في تأسيس أحزاب حقيقية قادرة على أن تكون على مستوى التحديات التي تواجهها البلاد ، و الأخطر من ذلك أن مشكلة ليبيا اليوم هي مشكلة اجتماعية حيث أدت الحرب الأهلية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي و أصبحت العداوات و الثارات بين القبائل و المدن الليبية تأخذ أبعادا خطيرة ، و لهذا فإن أي محاولة لإيجاد مخرج سياسي بدون مصالحة مجتمعية تقودها النخب القبلية لن تؤدي إلى حل المشكلة . و من هذا المنطلق تأتي أهمية اجتماع مؤتمر القبائل الليبية التي إذا ما اتفقت على برنامج عمل وطني يبدأ بإزالة الاحتقانات بين المناطق و القبائل المتصارعة ، و حل الإشكاليات بينها اجتماعيا فإن بقية المشاكل السياسية لن تشكل عائقا لأن نجاح برنامج السلم الاجتماعي سيشكل أرضية صلبة للتوافق السياسي في حالة تخلص النخب السياسية من التأثيرات و الأجندات الخارجية . شكلت تجربة أفغانستان مستنقعا أغرق الاتحاد السوفييتي السابق و فخا للتحالف الغربي أجبر الولايات المتحدة و حلف الناتو على الانسحاب و تعبئة الفراغ السياسي بـ”اللوجيركا” أو مجلس القبائل . و هنا على المجتمع الدولي و خاصة روسيا و الصين أن يدعم تأسيس هذا الكيان الاجتماعي في ليبيا الذي سيزيل عوامل استمرار الحرب الأهلية و يحرم التنظيمات الإرهابية من أي حاضنة اجتماعية ، و يقطع الطريق على التدخل الأجنبي ، و في النهاية يحول دون تحول ليبيا إلى دولة فاشلة ، و الأهم من ذلك يمنع الانفصاليين المحليين و الإقليميين و القوى الكبرى من تمزيق ليبيا إلى أكثر من كيان .
تعليق : مقال جدا" مهم لفهم طبيعة المجتمع الليبي و طريقة الحل الصح للخروج من الحرب الاهلية على أسس متينة تحفظ وحدة البلد و سلامة الاجتماعي .