حصة بنت محمد ال الشيخ
يقول أرسطو" إن الأكثر خنوعاً هو الأكثر قبولاً بالاستبداد" و إذا ماعلمنا أن أكبر عدو للاستبداد هو الحرية فإن الخنوع و قبول الاستبداد يبدأ بلحظة التخلي عن حق الحرية .. هذا حكم قيمي ارتباطي بحكم أن الحرية أصل القيم و المبادئ و القبض عليها يجعل القياس القيمي و الفضائلي ساقطاً لا محالة .. إن الحديث حول الضدين الحرية و الاستبداد يوثق ملاحظة هامة أن الحرية تسبق العدل و تؤسس لقيامه ، فالعدل يدور مع الحرية وجوداً و عدماً مسبوقاً لا سابقاً و بهذه الوشائجية الارتباطية تمتنع العدالة بامتناع الحرية .. و هو ما سيتضح بالأمثلة . في مجالنا الإنساني لا أطالب من ينتزع قانون المساواة الإلهي أن يعترف أن ذلك محض رغبته العنصرية فله أن يماطل بتبريراته اللا إنسانية ، إلا أن يدعي أنها إرادة الله و يزعم بعد أن يُسْلِم المرأة لضمائر الرجال لا لحريتها و خياراتها أنه يمثل رأي الله ، ثم يفيض بعِبر التراث المزدوجة فيكمل بأن الإسلام كرّم المرأة رغم الظلم الفادح الواقع عليها من رجال المسلمين و مؤسساتهم فهذا الزعم ليس أبعد فقط عن التصديق بل عن النزاهة الضمائرية التي عنها سيُسأل المتكبرون . في مقالها "المطلقة ولية تبحث عن ولي" أشارت الزميلة الكاتبة عضو مجلس الشورى د. هيا المنيع لتناقض تعامل الأنظمة مع المرأة" أي : تخبط عدلي" سبب فجوات بين نظام إداري و قضائي و الضحية المرأة مستعينة بقصة لإحدى المطلقات حكم لها القاضي بحضانة أبنائها و الولاية عليهم و استخراج جوازاتهم بينما استحال عليها هي" الأم" استخراج جوازها لاشتراط الجوازات حضور وليها لاستخراجه .. و لتحقيق ذلك تم إعادتها و هي "المطلقة" لدفتر العائلة لتكون تحت مظلة وليها الأساسي أبوها "المتوفى" لتستخرج وكالة لأخيها "وليها الجديد".. ليستخرج جوازاً لها . لذلك و لأنه يستحيل تطبيق عدالة في ظل القبض على الحرية بدت موازين الحكم الصادر مختلة بناءً و نظاماً و معقولية و إنسانية إذ كيف يعترف بأهلية "أم" في حين لا يوثق بها باستخراج جوازها ! .. أليس الأولى الخوف على الأطفال من أم "غير مؤهلة"- كما يصرح تعاملهم - للمسؤولية عن نفسها ؟!! لكنها تداعيات الانفجار الشيزوفريني فالحرية إن قيدت فلا تحلم بعدل .. فضلاً عن استقامة حكم . قبل مايربو على الثلاثة أشهر قرأنا خبراً ولاياتياً مشابهاً "وزارة العدل تنقذ امرأة أربعينية من عضل أخيها و تنهي قضيتها في جلسة واحدة" و في طيات الخبر ذكر أن عمر المرأة 49 عاماً و أن المحكمة في جلسة واحدة أسقطت ولاية أخيها و تم تزويجها . الخبر يشيح بوجهه عن المتضررة اجتماعياً ليعرض انتصار القضاء في قضية يتجاهل الأساس المبني عليه الظلم فيها و الذي يجب أن يجتث بغيه من جذوره بحكم أنه لازال يدير حياة النساء و هو (حرمان المرأة من حقها كراشدة من إدارة شؤون حياتها) و أمر الزواج جزء منه .. و المؤسسة العدلية تعلم أن هذه حالة ضمن كثيرات استغلت ضدهن ولايات حمقاء .. لكن القصة بمجملها تعكس الاحتفاء بخنوع المرأة لا الانتصار لإنسانيتها ، لأن أصل البغي باقٍ" الولاية" فغداً نفس المرأة ستكون تحت ولاية الزوج الذي قد يضرها فتلجأ لخلعه و ربما تدور في دائرة القصة الأولى بحكم تشابك دوائر الوضع الاجتماعي للمرأة بالولاية الفقهية المستدامة الجائرة .. إن الانتصار الحقيقي للعدل هو خَلع الولاية فالعدل يتلو الحرية و لا يسبقها .. فإذا ضمنت الحرية الإنسانية سطع العدل الصادق . نحن أمام سلسلة ولايات كاذبة أدرجها التراث الذكوري في صفحاته الصفراء و جرى تأبيدها بحق المرأة كملكيات مجيرة مؤبدة في عالم يموج بالكذب المنهجي و النصي و الاعتباري و الإنساني للمرأة . فالاستخدام المفهومي لكلمة "ولاية" الفقهي" الولاية على المرأة" لا وجود له في القرآن و ما ورد على سبيل العلاقة الثنائية بين الرجل و المرأة فإنما هو ولاية الكفاءة , كفاءة التدبير و المواهب "و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض" أي ولاية تداولية بحسب الكفاءة لا النوع ، ولاية على القصّر من الذكور و الإناث .. أما ولايات سجون الحرية على امرأة كاملة بالغة راشدة فكذب موروث متأبد رغم ما ينتجه من قصص الظلم النسائي . و رجال التراث و عبّاده استمدوا أحكامهم من العرف الصحراوي مستخدمين النص في تعاملهم و نظرتهم للمرأة للتبرير لا التفسير أو استنباط الحكم (فالحكم مسبق عرفاً) و اعتباراته منقادة للتوجه البدوي تجاه المرأة و منه صاغوا فقههم ضد المرأة .. اليوم يتوالى بفعل الفكر الولاياتي المزيد من هدر حقوق المرأة تحت شعار "قرار مجتمعي" مما يعيد للذاكرة حكاية تعليم المرأة زمن الملك سعود و فيصل و الذي مثل- حينها - خطوة بنيوية في تغيير المجتمع و نقلة نوعية لها سياقاتها الظرفية قياساً بزمنيتها و واقعها و صدقيتها تحولت بعد فترة لنظام و قانون و مدارس نظامية .. اليوم و قد تعمق النظام القانوني الذي يفترض أن يخلق تقدماً توعوياً بتراكمية معرفية ممنهجة في مسيرة الأنسنة يصبح مفهوم "قرار مجتمعي" استعمال عائق يجهض الحقوق الفردانية داخل المجتمع ، فلكل زمان نظام معرفي يقود للأمام لا الخلف .. و الدليل قيادة المرأة للسيارة التي استعصت على قائمة الممكنات و لا زالت تحتل قائمة المحيرات المبهمات فلا هي مثلت شأناً مجتمعياً كما ادعي بدليل أن من قادت اتخذ ضدها إجراء أمني "عوقبت" و ليست أمراً تنظيمياً بحيث يمنعها نظام واضح .. بل الأمر معكوس فالنظام الأساسي للحكم ينص على مساواة الحقوق و يمنع التمييز على أساس النوع , و الأمر باستمرار المنع يفترض المجتمع مجتمع ممانعة تضيع فيه حقوق الراضين . و السؤال ذو الوجاهة كيف إذاً أحرّر قيودي و أحصل على حقوقي مادام نظامي الوطني يتطابق مع حريتي الإلهية .. الجواب يرتبط بكشف المعاناة لوضع "القوانين المدنية" و جعلها موضع التنفيذ لا النظرية و التكفل بتطبيقها . لم يتجاف عباد التراث عن مبدأ الأنسنة من فراغ بل لأن الأنسنة تهدم مصالحهم المبنية على الإفك العنصري ضد جنس بشري (جنس المرأة) لذلك يخلطون النصي بالتراثي , و الإلهي بالبشري و كذلك يأفكون , فلا يُتصور إله عادل يخلق جنساً تاماً عابداً و معبوداً بنفس الوقت بل فعلها التراثيون فأسسوا لعبادة الرجال "الفقه السياسي" و منه لعبادة المرأة لجنس الرجل "الفقه الاجتماعي/ فقه المرأة" يكتشف طابور العباداتية هذا بفهم آية "و لا يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون".. و منه يدرك حقيقة شرك الاستعباد . و لأن التراثيين أنفسهم يدخلون ضمن دائرة (العابدون المستعبِدون) فهم لا يتولون من الحقائق إلا كبراً بأنفسهم هم بالغوه ، لذلك يذهبون إلى تأليف المصدرية المرجعية بأحاديث مختلقة مصاحبة لحركة الوضاعين و هي حركة سلطوية ذكورية استبدادية تهدف لتسييس الجمهور بخلق أحاديث تمتاز بالسلطة المطلقة و الاستبداد الديني و السياسي . إن صك الحرية و هبنيه الله لا هذا أو ذاك من الرجال و التراثيون أتوا بتصنيف كاذب , مالك ، مقابل أمة ليستعبدونا و قد ولدتنا أمهاتنا أحراراً ليس لأنهم لا يعلمون بل لأنهم يعلمون و يعاندون سنة الله في خلقه , سنة التكريم و الحرية , كفتا ميزان العدل الحقيقي . صك حريتي هبة خالقي , فالمرأة في النص المقدس تحتل ذات المستوى التأهيلي بالكرامة و الحرية و ارتباطاتها التكليفية و الجزائية ، أما العبودية الاستهلاكية ضد إنسانية المرأة و قبض حقها في الاستمتاع بحرية ربها فخط التراث الذي تقدس برجاله الأوفياء لذكوريتهم و أبويتهم لا بالنص .. و إلا لكان حضور الولاية في آية كافياً لفتح سجون النساء و قذف أقفالها في بحر النسيان . إن إسلام التمثل الموضوعي بقيمه و مبادئه المتمثلة في إسلام النص لا إسلام التراث و التاريخ تجعل دائرة الإنسان خاصة به يحكمها و يديرها بنفسه لا بإرادات غيره .. و لئن كان "سكوت النص ، نصٌ بالإحالة على دائرة المباح" فكيف بنص الولاية بلفظ قطعي الدلالة و الثبوت ؟! .. إنه اختصار النتيجة الحتمية لحكمة أرسطو كولايات تستدرج للخنوع و من ثم القبول بالاستبداد حتى أصبح المستبد يتفضل علي بحقي يحسبه منة وكرماً .. توقيعات الأولياء على مشاهد و قرارات حياتي كامرأة هي أشد أنواع الاستبداد .. و ها نحن نصرخ عبر الإرادة الإلهية و الإنسانية .. لا .. للخنوع .. إلا لمن أرادت .
ختاماً : تصور حالة خنوعنا مع الولايات الاستبدادية بلاغة فنية شعرية :
وجُرمٍ جرّه سفهاء قوم
وحلّ بغير جارمه العذابُ