إدريس الكنبوري
قصة اغتيال موسى الصدر هي ذاتها قصة تغلب التشيع في نـزعته الفـارسية بالمنطقة و بدء المخططات الإيرانية في التسلل عبر مفاصل الشيعة العرب لخلق جيوب داخلية في الجسم العربي نشهد اليوم جوانب منها . قبيل رحيله بعدة أشهر كان الزعيم الشيعي اللبناني المختطف من قبل النظام الليبي السابق موسى الصدر قد حضر آخر حلقات الدروس الحسنية الرمضانية التي كان الملك المغربي الراحل الحسن الثاني يدأب على عقدها في شهر رمضان من كل عام ، و يشارك فيها عدد مهم من كبار العلماء في العالم الإسلامي . و بينما كان الصدر يزور الرباط لحضور تلك الجلسات كضيف حتى و إن لم يسهم في إلقاء واحد من الدروس التي كانت تلقى من لدن المشاركين كان الخميني و أتباعه يراقبون تحركاته من باريس و من داخل إيران , و لم يكد يطاح بالشاه عام 1979 بعد عام من اختفاء الصدر في ليبيا حتى كانت قد انفجرت الخلافات بين الخميني و الحسن الثاني ، فقد كانت علاقات هذا الأخير بموسى الصدر من الأمور التي دفعت النظام الإيراني الجديد إلى الحنق على المغرب . أن يتم اختطاف الصدر في ليبيا خلال زيارته الخاطفة لمعمر القذافي لم يكن مجرد مصادفة ، فالعقيد الليبي كان شديد الحقد على النظام المغربي ، و هو بعد أن فشل في المراهنة على الفكرة القومية بعد ضمور الناصرية قرر أن يميل إلى جانب الثورة الشيعية الخمينية و المراهنة على الدين فأنشأ جمعية للدعوة الإسلامية العالمية حاول أن يستقطب لها مجموعة من رجال الدين و لذلك تقاطعت مصالحه مع مصلحة الخميني ، فهذا الأخير كانت توجد مصلحته في اختفـاء الصـدر و الحيلـولة دون أن يتقـوى نفوذه و تحالفاته العربية بحيث يشكل تهديدا لنفوذ الخميني ، بينما كانت مصلحة القذافي في منع أي تحالف ممكن بين الصدر و بين خصمه في المنطقة من شـأنه أن يؤثر على موقعه ، و هو ما كان يدفعه إلى تمويل و دعم جبهة البوليساريو التي تدعـو إلى انفصـال الصحراء عن المغرب . في كتابه الجديد عن العلاقات الأميركية الإيرانية تحت عنوان “سقوط السماء” يؤكد الباحث الأميركي أندرو سكوت كوبر بأن الخميني كان وراء مؤامرة اختطاف و اغتيال الصدر بالتنسيق مع القذافي ، لأنه كان يدرك الخطورة التي يمثلها على سلطته و مخططه في الإطاحة بنظام الشاه و تنصيب نفسه زعيما جديدا لإيران . و يسوق كوبر جملة من الأدلة و الشهادات التي تدعم رأيه ، و كيف تم التخطيط بدقة للجريمة بحيث يصبح السيناريو هو أن الصدر خرج من ليبيا لكي لا يذهب إلى أي مكان . و بحسب كوبر فإن الصدر كان يعرف دموية الخميني و كان رافضا لفكرة الدولة الدينية ، كما أنه كان يدرك حجم الخسارة التي يمكن أن يجنيها الشيعة العرب في حال انتصاره و إنجاز ثورته . قصة اغتيال موسى الصدر هي ذاتها قصة تغلب التشيع في نزعته الفارسية بالمنطقة و بدء المخططات الإيرانية في التسلل عبر مفاصل الشيعة العرب لخلق جيوب داخلية في الجسم العربي نشهد اليوم جوانب منها . فالتخلص من موسى الصدر كان يندرج ضمن مخطط شامل للتخلص من أي نفوذ عربي في التشيع و خلط التشيع بالنزعة القومية الفارسية المعادية للمصالح العربية ، و لذلك استمرت محاولات الاغتيال في صفوف الزعامات الشيعية العربية إلى سنوات قريبة كانت من بينها محاولة الاغتيال التي تعرض لها محمد علي الحسيني رئيس المركز العـربي الإسـلامي عـام 2007 و التي اتهم فيها الحرس الثوري الإيراني علنا باستهدافه . و لعل الاقتتال الذي حصل في بداية الثمانينات و حتى العام 2000 بين حزب الله و حركة أمل الشيعية في لبنان واحد من أوجه هذه المواجهة التي نظر لها الخميني بين التشيع الفارسي و التشيع العربي ، و عمل على تحويلها إلى مشروع سياسي إقليمي عنوانه “تصدير الثورة”. فقد أنشأ موسى الصدر حركة أمل في النصف الأول من السبعينات في إطار المواجهة مع إسرائيل لكن الخميني عمل على محاصرة تلك المبادرة بإنشاء تنظيم عسكري سياسي تكون الموالاة المطلقة لديه للنظام الإيراني في طهران عام 1982 ، بحيث أصبح حزب الله امتـدادا استراتيجيا و أمنيا لإيران في الداخـل اللبناني على أسـاس أن يكـون الممثل الشرعي و الوحيد للشيعة اللبنانيين . و بعد أزيد من ثلاثة عقود على اغتيال موسى الصدر و إنشاء حزب الله تبدو مسيرة التشيع الفارسي واضحة الصورة في المنطقة لأن التاريخ ليس مصادفات بل سلسلة مترابطة الحلقات تؤدي حتما إلى هدف .