فيصل جلول
تشهد مصر منذ الإطاحة الشعبية بنظام “الإخوان المسلمين” تزامناً دقيقاً بين ردود الفعل الغربية المؤيدة للرئيس المخلوع محمد مرسي وبين ردود الفعل الأمريكية والأوروبية الضاغطة على الحكومة المصرية الجديدة، ويصل الأمر أحياناً إلى اعتماد اللغة نفسها والحجة نفسها من قبيل: احترام الديمقراطية . أو شرعية صناديق الاقتراع . أو التعبير الحر الخ . وإذا كان مفهوماً أن يلجأ “الإخوان المسلمين” إلى هذه المعايير للدفاع عن حكمهم الفاشل طوال ما يقارب العامين فمن الصعب اعتماد المعايير نفسها كوسائل إدانة للحكومة المصرية من طرف الديمقراطيات الغربية التي تدرك جيداً أن شرعية الحكومات تضمنها سياساتها وليس صناديق الاقتراع، وأن التعبير الحر ليس حقاً مقدساً إلا لمن ينضوي ضمن منظومة ديمقراطية متكاملة .
والمدهش في هذا التزامن هو لجوء الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إلى إجراءات اقتصادية ولوجستية ضاغطة وبالتالي اشتراط سلوك سياسي على الحكم المؤقت ودعوته لاتخاذ إجراءات أو قرارات لا رغبة لديها في اتخاذها أو لحمله على الرجوع عن قرارات اتخذها وآخر الضغوط المعبرة في هذا المجال كان تجميد أجزاء من المعونة العسكرية الأمريكية إلى مصر كرد على حل “جمعية الإخوان المسلمين” .
تفضي المواقف الغربية والأمريكية بخاصة إلى استنتاج مفاده أن شرط العلاقات الغربية الحسنة مع مصر رهن بموقف الحكومة المصرية من الإخوان المسلمين إن عادت عن قرارها حل التنظيم الإخواني، تعود المعونة الأمريكية الى سابق عهدها، وإن عاد مرسي إلى قصر الاتحادية تنتهي كافة إجراءات التجميد والتهديد باجراءات إضافية . . بالانتظار لا تقول أمريكا ولا أوروبا شيئاً يذكر عن الاعتداءات التي تطال الجيش المصري في سيناء والتي تصنف وفق معاييرها في خانة الارهاب، وقد جاء خطاب أيمن الظواهري الأخير حول مصر ليقطع الشك باليقين .
يطرح التزامن الواضح بين ردود فعل الإخوان وردود الفعل الأمريكية والغربية سؤالاً كبيراً حول دوافع الامريكيين والغربيين الحقيقية فهل يدافعون حقاً عن قيم ديمقراطية يحبونها لمصر ولأنفسهم أم أنهم يلتزمون اتفاقات أو تعهدات قطعوها للإخوان في سياق ما سمي ب “الربيع العربي”؟
حول الشق الأول من السؤال يجدر بنا فحص القيم التي يزعم الغربيون الدفاع عنها في مصر في ضوء التجارب الغربية نفسها، ولنبدأ بشرعية صناديق الاقتراع هل هذه الشرعية مطلقة وهل توفر سنداً مطلقاً لحكم ما؟ يفيدنا الجواب في التجربة الفرنسية بمثال واضح حول هذه المسألة . فقد انتخب نابليون الثالث رئيساً للجمهورية الثانية في باريس، وفور انتهاء ولايته قلب الجمهورية إلى نظام إمبراطوري مستنداً إلى شرعية صناديق الاقتراع ومحاججاً خصومه بالقول أريد لفرنسا نظاماً إمبراطورياً بوصفي رئيساً شرعياً انتخبت بواسطة صناديق الاقتراع . وفي ألمانيا جاء أدولف هتلر بواسطة صناديق الاقتراع وكان نجاحه شرعياً تماماً وصنع ما صنعه وما بات معروفاً للقاصي والداني بوصفه رئيساً شرعياً . ولعل فضيحة ووترغيت في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تفيد بأن صناديق الاقتراع ليست ضمانة لرئيس منتخب إذا ما تبين أن الوصول إلى السلطة قد تم بوسائل غير ديمقراطية، ما يعني أن صناديق الاقتراع هي في الأصل وسيلة لمباركة سيرورة سياسية والتعبير عن الاتفاق حولها، فإذا ما تبين أن هذه السيرورة قد خرجت عن قواعد اللعبة المتفق عليها وإن الشعب عبّر في الشارع بحشود مليونية عن رفضه للخروج على تلك القواعد وعن رغبته بمعاقبة الخارجين عليها عبر نزع الثقة عنهم، فإن صناديق الاقتراع لا تحميهم ولا تعيدهم للحكم وهو ما وقع حرفياً لنظام الرئيس المخلوع محمد مرسي .
اما التعبير الحر فهو كشرعية صناديق الاقتراع ليس حقاً مطلقاً مجرداً من كل شرط ولنا أيضاً في التجارب الديمقراطية الغربية أمثلة معبرة . ففي الولايات المتحدة انتشرت المكارثية كالنار في الهشيم في مطلع خمسينات القرن الماضي واعتقل ناشطون ومثقفون وفنانون كثر لأنهم عبروا عن آرائهم أو عرفوا بميولهم اليسارية ومنع أي كان من التعبير عن الأفكار الشيوعية وانتشرت في أمريكا محاكم تفتيش عن الأفكار، ومنعت أفلام سينمائية وكتب ومسرحيات، وفرضت رقابة مسبقة على نصوص وأعمال فنية، وكل ذلك لحماية نظام سياسي اعتبر أهله أنه عاجز عن مواجهة الأفكار الشيوعية، وأن اليسار سينتصر لو تم الالتزام بالتعبير الحر . وفي فرنسا لا يسمح مطلقاً بإنشاء محطة تلفزيونية لأي من الجماعات النازية أو الأصولية، وقد جرى نقاش طويل أواخر القرن الماضي حول حل الجبهة الوطنية المتطرفة التي يحجم دورها دائماً في المعارك الانتخابية ولا يتاح لها التوسع عبر قانون انتخابي مناسب لها . وفي بريطانيا تدور اللعبة الديمقراطية حول حزبين يحتكران التعبير الحر والتشريع وصناعة الرأي العام بحيث يبقى حزب الأحرار ثالثاً وضئيلاً وبلا فرصة جدية للوصول إلى الحكم .
أكتفي بالإشارة إلى هذين المعيارين اللذين يستخدمان في مصر لإدانة الحكومة الحالية وللمطالبة بعودة الرئيس المخلوع إلى قصر الاتحادية، فهل تنتهك مصر الشرعية عندما تختار بواسطة ملايين البشر طي صفحة الحكم السابق وفتح آفاق أخرى أمام كل المصريين لاختيار دستور جديد ورئيس جديد انسجاماً مع رغبة المنتفضين وتطلعاتهم؟ عندما يقول ملايين البشر لرئيس: مش عايزينك . . يجب أن يبادر إلى تقديم استقالته وألا ينتظر تدخل الجيش لخلعه تعبيراً عن إرادة ملايين الناس .
أما إصرار امريكا على اهانة ملايين المصريين عبر التهديد بقطع وتجميد المعونات العسكرية والمدنية فلا تفسير له غير الإخلاص لتعهدات مقطوعة للإخوان المسلمين، وهذا يعني أن واشنطن وحلفاءها الغربيين قد قرروا تحدي الشعب المصري الذي يرد الناطقون باسمه هذه الأيام بالالتفاف حول الجنرال عبدالفتاح السيسي والمطالبة بالاستغناء عن المعونات الخارجية والدعوة ل “ناصرية جديدة” وبالتالي رفع رؤوس المصريين إلى السماء .
*نقلا عن "الخليج" الاماراتية
تعليق : نعم انها فرصة تاريخية لتغيير مجرى التاريخ و تجنيب العرب هزيمة ساحقة ماحقة إذا مارجع الأخوان للحكم . وقوف الغرب مع الأخوان اكبر ادانة لهم , و موقف دول الخليج مع مصر موقف مشرف و عروبي . العرب يمرون بظروف صعبة جدا" و مضطربة لكن الشي الأكيد أن استقرار مصر هو أولوية قصوى الان كون الغرب متحد ضدها الان و هي في وضع صعب و محتاجة وقفة الجميع معها لتخطي هذة المحنة . مقال رائع و يكشف بالحجة و الدليل زيف مزاعم الغرب و انتقائيتة للحجج و الكيل بمكيالين فقط لخدمة مصالحة و ليس أي شي أخر يدعية مثل الديموقراطية و الشرعية و حقوق الانسان كل هذة مجرد ادوات يستخدمها ضد الغير و يحترمها فقط في بلدانة .