[البرواز و الصورة]

صالح الشايجي

كان التعليم في البلاد العربية مقصورا على الدروس الدينية فيما مضى من قرون و حتى بدايات القرن العشرين أو نهايات القرن التاسع عشر . لذلك فإن المتعلمين الدينيين كانوا هم الذين يشكلون الطبقة المثقفة و أيضا المتنفذة و صاحبة الكلمة العليا و اليد الطولى في بلدانهم ، و هم عون الحاكم و مستشاروه . و نظرا لظهور آراء أو أفكار متشددة في التدين و ترى تصحيح المسار الديني حسب وجهة نظر أولئك المتشددين ممن رأوا أن المسلمين في زمنهم لا يسيرون على النهج الديني القويم , بل و كانوا يكفرون أي مسلم ملتزم شعائر دينه و فرائضه حتى العلماء الذين سبقوهم فإن الكثيرين من مشايخ الدين و علمائه انتهجوا منهج التشدد و الغلظة و المغالاة . و لقد سيطرت هذه الطبقة المتدينة المتشددة على شؤون البلاد العربية و بالذات عملية التعليم فلم تكن مؤمنة بأي علم حديث و ليس من علم حسب وجهة نظر تلك الفئة سوى التعليم الديني . هذه مقدمة لما أريد قوله عن التعليم في الكويت و الذي واجه إعصارا من الانتقادات و الرفض و التدخلات و كانت في مجملها ترفض تدريس العلوم الحديثة للناشئة لأنها ترى في تلك العلوم كفرا و إلحادا . كانوا يعتبرون تدريس مادة «الجغرافيا» أو اللغة الإنجليزية كفرا . نعم إلى هذه الدرجة بلغ بهم الغلو و الفظاظة و كانوا في شبه حرب بينهم و بين المصلحين الذين كانوا يريدون التخفيف من ذلك التشدد و لم يكن أولئك المصلحون سوى شيوخ دين و علماء دينيين أي انهم لم يكونوا من خارج ذلك الإطار الديني و لكنهم كانوا أكثر عقلانية و واقعية و على شيء من الانفتاح . و لو حاولت أن أحلل أسباب ذلك التشدد لخرجت باحتمال أن هؤلاء المتشددين المنغلقين سوف تهتز مكانتهم الاجتماعية و سلطتهم فيما لو تعلم الناشئة علوما حديثة هم لم يتعلموها و بالتالي سوف ينحسر دورهم و يفقدون خاصية تميزهم الاجتماعي و كونهم يشكلون الطبقة المثقفة و العارفة و يريدون المحافظة على مواقعهم حتى لا يأتي من هو أعلم منهم و أكثر فهما و ثقافة . و إنشاء المدرسة المباركية عام 1911 لم يكن بالأمر الهين و السهل و لم يكن أمرا مرحبا به من قبل الكثيرين من أولئك المتشددين الذين لم يرضخوا للأمر الواقع بل راحوا يتدخلون في المناهج التي تدرسها المدرسة و استمر الامر بين شد و جذب و هكذا . لا أحد باستطاعته هزيمة الزمن و دحر الواقع بل إن عجلة الزمن هي التي تدور و تدهس من يحاول الوقوف أمامها و هذا ما حدث .

تعليق : لم يتغير شي من حيث التأثير , بل لا نزال متخلفين في كل العلوم الحديثة و الدينية و محتاجين اصلاح الاثنين .