عبدالعزيز خليفة العسيري
وصلتني رسالة نصّيّة تقول «يسرّ مكتب نائب رئيس الجامعة لشؤون الطّلّاب أن يدعوكم لحضور ورشة تدريبيّة على النّظام الجديد للشّكاوى الطّلابيّة»، قبل أن أعلّق على أسلوب الرّسالة النّصيّة، أعتقد بأنّه من الجميل أن نشاهد اهتمام جامعة قطر بالملاحظات الطّلابيّة، وإن كنت شخصيّاً أعتقد بأنّ العديد من القطريّين خسروا سنوات كثيرة من حياتهم بسبب عدم وجود إجراء خاص يتعلّق بتقديم الشّكاوى، وأرجو أن يقدّم نظام الشّكاوى الطّلّابيّة شيئاً جديداً، خاصّة أنّنا على يقين بأنّ المسؤولين يودّون التّعرّف على أسباب المعاناة الّتي يشتكي منها الطّلّاب، ولكي يحقّق التّغيير نجاحاً حقيقيّاً يجب أن يأتي من الدّاخل.. لقد كان الإشكال واضحاً في عدد الشّكاوى الّتي نستمع إليها كلّ يوم في البرامج الإذاعيّة والصّحف، وعلى مدى سنوات طويلة، وعندما سألت أحد الطّلّاب الّذين يلتحقون بإحدى الجامعات في الدّولة «في كلمتين، كيف تصف الفرق بين جامعة وأخرى؟»، فأجاب «الوضوح في كلّ شيء».
من خلال متابعتي للعديد من الجامعات في دول مختلفة، أجد أنّ جانب الإشكال يكمن في أنّ الطّلبة والطّالبات لا يشعرون بالانتماء إلى تلك الجامعات، أو قد يكون السّبب الرئيسي لذلك، هو عدم فهمهم لمتطلّبات الجامعة الّتي يلتحقون بها، خاصّة أنّ بعض الجامعات لديها متطلّبات أوليّة، ومتطلّبات ثانويّة، ولغة عربيّة ولغة إنجليزيّة، ومتطلّبات قبل القبول في الجامعة، ومتطلّبات بعد القبول في الجامعة، ومتطلّبات السّنة الأولى، ومتطلّبات السّنة الثّانية، كما أنّ بعض الجامعات لا تُقدّم برنامجا نموذجيّاً يحتوي الموادّ التّعليميّة الّتي يجب أن ينتهي منها الطّالب للحصول على البكالوريوس، ثم هناك جانب التّنسيق في الموادّ المعروضة لذلك الفصل الدّراسيّ، فقد تُقدّم الجامعة مادّة ما، فلا يجد الطّالب مقعداً، فيضطرّ للانتظار لعلّ تلك المادّة تُعرض مرة أخرى، لأنّ الموادّ الّتي تليها تستوجب الانتهاء من تلك المادّة قبل الشّروع في غيرها، وفي قطر لا يستطيع الطّالب الالتحاق بجامعتين في الوقت ذاته، بينما في بعض الدّول بإمكانه ذلك، ويساهم الالتحاق بأكثر من جامعة في توازن العرض والطّلب على المواد، فلا يضيع وقت الطّالب في انتظار المادّة، وهكذا... وأمّا الإشكال الآخر، فهو السلوك العام في المؤسّسة التّعليميّة، فإذا كان تعسّفيّاً، فلن يشعر الطّالب بأن بيئة التّعليم صالحة، لأنّ القيم فيها تختلف عن القيم الّتي عرفها في حياته، على سبيل المثال، قد يشعر العديد من الطّلّاب بالخوف من مخاطبة الأستاذ في الجامعة حول الدّرجات الّتي يحصلون عليها في التّقارير، وقد يُكلّفهم ذلك إنذاراً، وآخر، وهذا قد يكون كافياً للقضاء على مستقبلهم التّعليميّ، فالثّالثة ثابتة! يجب أن يتمكّن الطالب من مشاهدة درجاته وتقييم الأستاذ له في كلّ مرحلة من مراحل الفصل الدّراسي، ويجب أن يتمكّن الطّالب من مراجعة الأستاذ في الدّرجة الّتي يحصل عليها الطّالب عندما يقدّم التقارير، لا أن يذهب بالتّقارير، فلا يعلم الطّالب نتيجة التقرير مطلقاً، ولا يشاهد إلّا الدّرجة النّهائيّة مع نهاية الفصل الدّراسي، وهو نوع من الاستبداد، وسياسة الاستبداد قد تقدم بعض الخرّيجين، ولكنّها لن تقدّم شخصيّات قياديّة بكل تأكيد «أنا أستاذك الجامعي، وعندما أقول شيئاً عليك أن تستمع، وليس لك الحقّ في الجدال»، وهكذا نقضي على إنسان بأكمله، بل مشروعاً بأكمله، لقد قضي على فرصتك التّعليميّة، ولا يوجد سوى طريق واحد، إمّا أنّك في القائمة البيضاء، أو أنك في القائمة السّوداء! وأمّا حول جامعة قطر، وإن كنت أعلم أنّني شخصيّاً خسرت الكثير، وغيري كذلك، إلّا أنّني على أمل كبير بأن هناك من سوف يسعى إلى توفير ثقافة ومعالم واضحة لجامعة قطر، واستقراراً في عرض موادّ التّدريس، وتمنّياتنا للجامعة بالتّوفيق والنّجاح.. وهنا أتمنّى أن نبدأ بالاعتناء بكيفيّة نشر المعلومة، فبدلاً من «يسرّ مكتب نائب رئيس الجامعة لشؤون الطّلاب أن يدعوكم... الخ»، نقول: «جامعة قطر تدعوكم...»، أو «جهاز شؤون الطّلّاب يدعوكم...»، وهو يندرج تحت مشروع بناء الانتماء والبيت الواحد، ويتّفق مع منهج الديمقراطيّة والمشاركة.