العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الاسلامي
الإهداءات

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-12-2014 , 08:49 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,358
أخر زيارة : اليوم 01:50 AM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

Icon37 فتوى تنطوي على مسوغات علمانية !



خالد الدخيل

هل فكر أحدنا ملياً في مضامين الفتوى الدينية السائدة و التي تقول إن الإرهابي ليس كافراً ؟ لا يتجه هذا السؤال إلى مدى صحة هذه الفتوى من عدمها وفقاً لعقيدة الإيمان و شروطها ، و لا إلى أن عدم تكفير الإرهابي يلغي ضرورة قتاله . هناك ما يشبه الإجماع على ذلك و كثيراً ما يستشهد في هذا السياق بموقف الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب و كيف أنه قاتل الخوارج و رفض تكفيرهم في الوقت نفسه على رغم تطرفهم و جرأتهم على دم المسلم . لكن إذا كان الأمر كذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحال هو : هل يستقيم منطقياً عدم جواز تكفير المرء و اعتباره مؤمناً و هو إرهابي يستبيح دماء الناس لمجرد أنهم يختلفون معه سياسياً و فكرياً ؟ من الواضح أن هذا يستقيم وفق منطق الفكر الديني و هو ما رأيناه في مقالة الأسبوع الماضي التي بسطت فيها رأي شيخ معروف من السعودية هو صالح المغامسي و رأي مؤسسة الأزهر في مصر . فالمغامسي يرى أنه لا يجوز تكفير أسامة بن لادن لأنه مات على التوحيد . يبدو أن الحكم على زعيم «القاعدة» لا يتجاوز أنه كان ضالاً أو عاصياً , من هنا جاء مصطلح «الفئة الضالة» و هو التسمية المستخدمة رسمياً في السعودية لوصف الإرهابيين . و هي تسمية جاءت من المؤسسة الدينية انطلاقاً من أنها تتبنى الرأي ذاته و بناء عليه أخذت به الحكومة رسمياً . و ترفض مؤسسة الأزهر المصرية تكفير تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). و هي لا تختلف في موقفها عن موقف المؤسسة الدينية السعودية إلا في تفاصيل تسويغ الرأي و هو تسويغ أكثر كشفاً لمضامين هذا الرأي في ما هو أبعد من الرأي ذاته . إذ جاء في بيان لمشيخة هذه المؤسسة الدينية العريقة أن الأزهر «يرفض تكفير داعش لأنه لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه» مضيفاً أنه «لو حكمنا بكفرهم لصرنا مثلهم و وقعنا في فتنة التكفير و هو ما لا يمكن منهج الأزهر الوسطي المعتدل أن يقبله بحال...» (مقالة الأسبوع الماضي). هنا يبرز سؤال آخر : كيف يمكن التوفيق بين هذا الرأي مع مؤدى الآية التي تقول في سورة المائدة (مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)؟ تشير هذه الآية إلى قتل النفس التي حرّم الله من دون حق و ينقل القرطبي في تفسيره عن مجاهد قوله : «إن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمداً جعل الله جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ، (وأنه) لو قتل الناس جميعاً، لم يزد على ذلك...». ثم ينقل عن ابن زيد قوله : «المعنى أن من قتل نفساً فيلزمه من القود و القصاص ما يلزم من قتل الناس جميعاً ...». و يقال وفق القرطبي أيضاً إن هذه الآية جعلت «إثم قاتل الواحد إثم قاتل الجميع». من الواضح أن الآية تعظم أمر قتل نفس واحدة من دون حق إلى درجة مساواته بقتل الناس جميعاً . و بهذا المعنى يكون إثم الإرهابي بهذا الحجم و الشناعة بل ربما أكبر من ذلك ثم لا يجوز تكفيره . كيف هذا ؟ لا شك في أن هناك تخريجات عقدية و فقهية لهذه المسألة و هي كما ذكرت مسألة قديمة تعود إلى القرون الإسلامية الأولى (و هذا بحد ذاته لافت) اختلف حولها المسلمون و كانت أحد أسباب افتراقهم إلى فرق و طوائف . لكن ماذا لو أخذنا القضية خارج سياق السجال الديني إلى سياق آخر هو السياق السياسي و الفكر السياسي و علاقة الدولة بالدين و هو سياق ذو صلة مباشرة بالموضوع . فالإرهاب خصوصاً الذي يستخدم القتل و الاغتيال أداة له هو جريمة تتعلق بأمن المجتمع ، و أمن الدولة ، بل و بشرعية الدولة . و من هذه الزاوية لا بد من التمييز بين الكفر و التكفير من ناحية و الإرهاب و القتل من ناحية أخرى . فالكفر و التكفير مفهوم أو حكم ديني يتطلب إصداره مسوغات دينية . أما الإرهاب فمفهوم لسلوك سياسي دنيوي يتطلب إصدار حكم عليه مسوغات سياسية و قانونية . و التكفير من الزاوية ذاتها هو حكم على الاعتداء على حق من حقوق الله , أما تجريم الإرهاب (و ليس تكفيره بحسب الفكر الديني) فهو حكم على فعل الاعتداء على حق من حقوق الناس . و هنا تمييز بين الديني و السياسي ، أي بين حقوق الله و حقوق الناس و اختلاف الحكم على كل واحد منها . كأن الفقهاء بهذا المعنى يقولون منذ أمد بعيد إن من يرى ضرورة تكفير الإرهابي إنما يطالب بإصدار حكم ديني على فعل سياسي لا تتوافر له مسوغات دينية كافية ، و من ثم فهو أمر ممتنع بمسوغات دينية و ليست سياسية , و في هذا تسويغ ذو نفس علماني و إن لم يكن مقصوداً . من ناحية أخرى و إذا كان جزاء الكفر (الحرمان من الجنة و الدخول في النار) لا يتحقق إلا في الآخرة و ليس في الدنيا ، فإن أمر الفصل فيه يعود في الأخير إلى الله و ليس إلى الناس ، و بالتالي ليس إلى الدولة . و هو ما يؤكد الطبيعة الدينية المحضة لمفهوم الكفر و مسوغاته و مآلاته و يؤكد في الوقت نفسه تمييزاً بل فصلاً للديني عن السياسي . يقول ابن منظور صاحب «لسان العرب» عن مفهوم الكفر إنه «نقيض الإيمان ... آمنا بالله و كفرنا بالطاغوت ...». و منه الكفر بالنعمة أي جحودها و سترها و هو نقيض الشكر ، ثم يورد صاحب «اللسان» أن عبدالملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن الكفر فقال : «الكفر على وجوه : فكفر هو شرك يتخذ مع الله إلهاً آخر ، و كفر بكتاب الله و رسوله ، و كفر بادعاء ولد لله ...». لكن اللافت هنا هو قول ابن جبير «و كفر مدّعي الإسلام و هو أن يعمل أعمالاً بغير ما أنزل الله و يسعى في الأرض فساداً و يقتل نفساً محرمة بغير حق» (ج 5، ص 144 - 145). أي أن ابن جبير إذا صحت رواية ابن منظور يكفّر فعل الإرهابي و هو قتل النفس المحرمة ، و يعتبره مدّعياً للإسلام . لكن هذا ليس رأي جمهور الفقهاء أضف إلى ذلك أن أنواع الكفر التي ذكرها للخليفة الأموي تتعلق جميعها بحقوق الله . هذا يعيدنا إلى مسوغات الأزهر بعدم تكفير «داعش» إذ يقول الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر محيي الدين عفيفي إن الأزهر لا يكفّر أحداً نطق بالشهادتين و أن «مذهب أهل السُّنَّة يؤكد أنَّ الإيمان القلبي أصلٌ و العمل فرع ، و عدم وجود العمل لا يَنفِي أصل الإيمان و هذا ما استند إليه الأزهر في عدم تكفير داعش». ثم يضيف بـ «أنَّه يغيبُ عن المواطنين أنَّ قضية الكفر لا تملكها جماعة أو الأزهر أو تنظيم فهي قضية شرعية لا يملكها أحدٌ إلا الله و هذا ما قرَّره القرآن وما قرَّرته السنّة النبويَّة»، موضحاً أنه لو كفَّر الأزهر «داعش» لفتح الباب لتكفير الكثير مثلما حدث مع الخوارج حين كفَّروا الإمام علي بن أبي طالب و كثيراً من المسلمين في ذلك الوقت . و في تأكيد للفكرة ذاتها يقول : «إن التكفيريين يعتَبِرون أن العمل ركن من أركان الإيمان و لذلك يكفرون بترك العمل و لا يكتفون بمجرَّد الإيمان»، مؤكدًا أنَّ الأزهر لا يعتبر أنصار «داعش» كفاراً طالما أنهم يقولون : «لا إله إلا الله محمد رسول الله». كلام الأزهر هنا يعبر عن رأي المدرسة الأشعرية و يتفق مع رأي المرجئة في هذا الموضوع و لا يختلف كثيراً عن رأي مدرسة السلف التقليدية و ليس الجهادية . و أهم ما في كلام الأزهر هو الفصل التام بين الإيمان كمعتقد ديني من ناحية و العمل كسلوك دنيوي من ناحية أخرى ، و بالتالي عدم تجويزه إصدار حكم ديني على فعل دنيوي (سياسي في حال الإرهاب) بمسوغات دنيوية . لذلك جاءت كل مسوغات عدم جواز تكفير الإرهاب مسوغات دينية محضة و أن الإرهاب كسلوك سياسي و ما يترتب عليه من قتل و جرأة على دم البريء و المخالف ليس مسوغاً لإطلاق صفة أو حكم الكفر على صاحب هذا السلوك . بالتالي ترك الحكم بتكفير الإرهابي سياسياً للدولة . و من أهم المعاني المترتبة على ذلك أن أمور الدين و مسوغاتها منفصلة عن أمور الدنيا خصوصاً السياسية منها و من ثم فإن الدين شيء و الدولة شيء آخر . لكن أهم ما تشير إليه فتوى عدم جواز تكفير الإرهابي خصوصاً لناحية فصلها الشأن الديني عن الدنيوي أن لـ «العلمانية» كقيم و آليات و ليس كمصطلح جذور إسلامية لم يتم الكشف عنها بعد . و عليه، فإن هذه الفتوى تجعل الفكر الإسلامي يتحرك خارج إطار الدولة و يتعاطى مع هذه الأمور بمنطق يختلف عن منطق الدولة . إذاً لماذا لا تزال الدولة في حاجة إلى الفكر الديني ؟ هناك مبررات عدة منها أن «الإسلام دين و دولة» لكن هذا شعار حديث و ليست له جذور في التراث الإسلامي و لا في التجارب السياسية لما بعد الخلافة . المبرر الأوضح و الأهم أن الفكر الديني راكم على مدى قرون ثروة ضخمة جداً من الفقه و التشريع و التفسير و علوم القرآن الحديث و غالباً بمعزل عن الدولة , في حين أن هذه الدولة فشلت في تطوير فكر سياسي و قانوني خاص بها ، و بالتالي ظلت في حاجة إلى الفكر الديني كمصدر لمشروعية سياستها و تشريعاتها . و هذا مؤشر إلى أنها لم تبلغ مرحلة النضج المؤسساتي و القانوني بعد .

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فتوى لـ«القتل»! البرواز و الصورة المنتدى العام 0 27-04-2013 02:22 PM


الساعة الآن 02:22 AM