العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى الثقافي
الإهداءات
البرواز و الصورة من الفوز بكاس اسياء : الف مبروك للمنتخب القطري الفوز بكاس اسياء للمرة الثانية على التوالي بعد فوزه بالبطولة الماضية عام 2019

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-11-2017 , 11:12 PM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,330
أخر زيارة : اليوم 02:40 PM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة غير متواجد حالياً

Icon37 إطلالة بانورامية على الفكر الفرنسي



هاشم صالح


يمكن القول منذ البداية إن الفكر الفرنسي شغل العالم في القرن العشرين مثلما شغله الفكر الألماني في القرن التاسع عشر . فمعظم المدارس الأدبية و الفلسفية ظهرت في فرنسا أو انتعشت فيها . نضرب على ذلك مثلاً الفلسفة الوجودية ، و الفلسفة البنيوية ، و الفلسفة التفكيكية ، إلخ . و حتى فيما يخص الأدب و الفن ، نلاحظ أن فرنسا هي التي صدرت للعالم معظم الصرعات الفنية و الجمالية ، كالدادئية ، و التكعيبية ، و السريالية ، و مسرح العبث أو اللامعقول ، إلخ . و يمكن القول إنه إذا ما حذفنا أسماء أندريه بريتون ، و بيكاسو ، و سلفادور دالي ، و رينيه شار ، و أراغون ، و هنري ميشو ، و جان جنيه ، و جان بول سارتر ، و ألبير كامو ، و كلود ليفي ستروس ، و بول ريكور ، و ميشيل فوكو ، و رولان بارت ، و بيير بورديو ، و جاك دريدا ، و جيل ديلوز ، و كاستورياديس ، و إدغار موران ... فإن الفكر العالمي سوف يخسر الكثير . و لا ينبغي أن ننسى بيرغسون و غاستون باشلار ، و آخرين كثيرين نعتذر عن ذكر أسمائهم التي لا تقل أهمية . و يمكن القول أيضاً إن الفرنسيين شغلوا العالم مرتين هذا القرن : مرة أولى أيام سارتر و الوجودية ، و مرة ثانية أيام فوكو و ديلوز و ليفي ستروس و البنيوية . و لا ينبغي أن ننسى مدرسة الحوليات الفرنسية التي هي من أشهر المدارس التاريخية في العالم . و قد قلب أقطابها من لوسيان فيفر إلى فرنان بروديل و جورج دوبي و جاك لوغوف و آخرين منهجية البحث التاريخي رأساً على عقب . و هذا ما نحتاجه حالياً في العالم العربي إلى أقصى حد ، فهذه المناهج التحريرية ضرورية لتفكيك الانغلاقات اللاهوتية المتحجرة التي أوصلتنا إلى «داعش» أخيراً . نحن بحاجة إلى المنهجية التفكيكية ، و منهجية الحفر الأركيولوجي في الأعماق ، إذا ما أردنا أن نشفى من أمراضنا التراثية و التكفيرية الدفينة . فالقصة أكثر خطورة مما تظنون ، و الداء مستفحل عضال ، «و آخر الدواء الكي» كما تقول العرب . و لا يتوقع أن نخرج من المغطس عما قريب . و لا ينبغي أن ننسى الفيلسوف بول ريكور الذي رحل عام 2005 عن عمر طويل يناهز الثالثة و التسعين . كان ذلك في قرية «شاتني مالبري» الواقعة جنوب باريس التي عشت فيها عدة سنوات متواصلة عندما كنت طالباً جامعياً ، بوهيمياً ، متوحشاً ... و لكن ما كنت أعرف أن بول ريكور كان جاري ! و هي بالمناسبة قرية فولتير أيضاً لأنه ولد فيها . و لذلك ، فإن تمثاله الضخم هو أول ما يستقبلك على مدخلها الجميل . و كثيراً ما كنا نشرب قهوة الصباح في مقهى فولتير مستمتعين بمنظر الحسناوات الداخلات الخارجات كخلية النحل دون توقف . على أي حال لقد خلف بول ريكور وراءه مكتبة كاملة من المؤلفات و البحوث العميقة . و معلوم أنه كان فيلسوفاً و مؤمناً في الوقت ذاته . و هذا شيء نادر في الغرب لأن كلمة الفيلسوف هناك أصبحت تعني بالضرورة الشخص الملحد الذي لا يعترف بوجود أي شيء خارج الواقع المادي المحسوس . و لكن بول ريكور لم يكن يخلط بين إيمانه الشخصي و الفلسفة ، فهو يقول إن للفلسفة مجالها و للدين مجاله ، و لا يجوز الخلط بينهما . و قد اعترف بأن اطلاعه الواسع على الفلسفة ساهم في تعميق إيمانه ، لا إزالته و لا تنقيصه . فالإيمان الذي يجيء بعد تفكير ناضج و دراسات معمقة أهم من الإيمان الساذج أو السطحي الذي قد يتحول إلى جهالة فكرية أو تعصب أعمى . و بالتالي , فهناك علاقة جدلية بين العلم و الإيمان ، أو بين الفلسفة و الدين . إن بول ريكور الذي عاش بين عامي (1912 - 2005) شارك في معظم المعارك الفلسفية التي دارت رحاها في القرن العشرين . فقد اصطدم مع سارتر و وجوديته في الخمسينات . و عندئذ ، نعته سارتر بأنه خوري يتفلسف ! و هي عبارة احتقارية جداً لا تليق بسارتر , و لكنها صادرة عن فيلسوف وجودي ملحد في المطلق ، كاره للدين و المتدينين في آن معاً . ثم اصطدم بول ريكور مع كلود ليفي ستروس و بنيويته في الستينات ، و جرت بينهما مناظرة عميقة جداً على صفحات مجلة «اسبري» الفرنسية ، أي الروح أو الفكر . كما انخرط في مناظرات معمقة مع الماركسيين و التحليل النفسي ، و سوى ذلك من المدارس الفكرية و التيارات . و أعتقد أن فكر بول ريكور يساعدنا كثيراً على حل مشكلتنا التراثية.

فوكو : عبقرية الجنون أو جنون العبقرية
أما ميشيل فوكو الذي عاش عمراً قصيراً (1926 - 1984) فقد اشتهر بعدة كتب أساسية ، نذكر من بينها : «تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» (1961)، و «الكلمات و الأشياء» (1966)، و «المراقبة و العقاب» (1975). و قد جدد الفكر الفرنسي و الأوروبي كله بهذه الكتب المفصلية الشديدة الابتكار و الجدة . فقد درس العلاقة الجدلية الكائنة بين العقل و الجنون على مدار أربعمائة سنة من تاريخ الحضارة الغربية ، أي منذ القرن السادس عشر حتى اليوم . و برهن على خطأ الوهم الشائع الذي يقول إن العقل كله يقع في جهة و الجنون في الجهة الأخرى , و لا اختلاط بينهما . و أثبت أن كل واحد منا فيه حبة جنون حتى لو كان عاقلاً جداً ! كما برهن فوكو على أن نظرة الناس إلى الجنون في القرون الوسطى كانت مختلفة عن نظرتنا نحن إليه , و قل الأمر ذاته عن القرن السادس عشر و ما تلاه . و بالتالي فكل عصر يشكل تصوره عن هذه الظاهرة التي ترعبنا للوهلة الأولى : أقصد ظاهرة الجنون . ثم ختم فوكو كتابه بثناء حار على جنون العباقرة ، من أمثال هولورلين ، و نيتشه ، و أنطونين أرتو ، و جيرار دونيرفال ، و غويا ، إلخ . و قال إن جنون العباقرة هو الذي يحق له أن يحاكم العقل الغربي الاستعماري المتغطرس ، و ليس العكس . فلا يوجد أي عقل في العالم يستطيع أن يرتفع إلى مستوى هيجانات فريدريك نيتشه أو أنطونين أرتو و هولدرلين . و هكذا تحدث فوكو بلهجة رومانسية و شاعرية جداً عن هؤلاء المجانين الكبار الذين أتحفونا بالروائع الخالدة ، و لكنه اعترف بأن الجنون يضع في النهاية حداً للإنتاج و الإبداع . فنيتشه ، بعد أن جن لم يعد قادراً على تأليف كتب عبقرية كما في السابق ، بل لم يعد قادراً على كتابة سطر واحد , لقد صمت صمت القبور بعد أن هزنا و زعزعنا و زلزلنا ، و لا يزال صوته يدوي في أرجائنا حتى اللحظة ! و أما هولدرلين ، فوضعه مختلف لأنه لم يجن دفعة واحدة كنيتشه ، و إنما على دفعات ... و لذا , ظل يخربش على الورق بعضاً من أجمل القصائد قبل أن يسكت بشكل نهائي . نعم لقد كتب في الفترة المترجرجة ما بين العقل و الجنون مجموعة كاملة لا تقدر بثمن . انظروا : «قصائد الجنون لهولدرلين» بترجمة الشاعر الفرنسي بيير جان جوف . و بالتالي ، فالجنون إذا ما انتصر على العقل يعني نهاية النهايات ، و لكن بعض جرعات الجنون مفيدة للإبداع بشرط ألا تزيد عن حدها . بالمناسبة ، هل تعلمون أن هيدغر طلب أن يقرأوا على نعشه قبيل الدفن بعض أشعار هولدرلين ؟ و يبدو لنا من خلال كتاب فوكو أن المجتمع القمعي هو المسؤول عن جنون العباقرة ، و ربما غير العباقرة . و هذا الكلام يتوافق مع رأي أنطونين أرتو الذي جن في نهاية المطاف كما هو معروف . فقد اتهم المجتمع «الإرهابي» بالمسؤولية عن جنون جيرار دونيرفال و شارل بودلير و رامبو و فيرلين و سواهم كثيرين . انظروا كتابه الشهير الرائع ، الصادر عام 1947 قبيل موته بقليل تحت عنوان بارز شديد الدلالة و المغزى : «فان غوخ و انتحار المجتمع». ففيه يصب جام غضبه على المجتمع الفرنسي الذي جنن فان غوخ و دفعه دفعاً إلى الانتحار . و فيه يقول ما معناه : «لا ، لم يكن فان غوخ مجنوناً ، و إنما المجتمع نفسه هو المجنون , إنه مجتمع بلا شفقة و لا رحمة ، مجتمع عاجز عن فهم العباقرة الكبار بكل همومهم و معاناتهم . فلوحاته نيران يونانية ، قنابل ذرية ! ينبغي العلم أنه داخل كل مجنون يوجد شخص عبقري غير مفهوم . و الفكرة التي تلمع في رأسه تخيف الآخرين . و لذلك يحاصرونه ، بل و يسجنونه في المصحات العقلية حتى يجن تماماً . ثم يردف أنطونين أرتو ، قائلاً : المجنون هو إنسان لم يرد المجتمع أن يسمعه ، بل و منعه من الكلام و قمعه خوفاً من أن يتفوه بحقائق هائلة لا تحتمل و لا تطاق ، حقائق مزلزلة للمجتمع بأسره . بعد أن نقرأ كلام أرتو المعذب و صرخاته المدوية لا نملك إلا أن ننحني أمام معاناته النفسية الهائلة . و هذا ما فعله فوكو في كتابه الشهير , من هنا جاذبيته التي لا تقاوم . و معلوم أن فوكو ذاته كان على حافة الجنون ، و لم ينج من السقوط في حمأته إلا بعد أن نجح في تأليف أجمل كتاب عن تاريخ الجنون ... باختصار : تداويت منها بها , و داوني بالتي كانت هي الداء ... ربما كان فوكو يريد أن يقول لنا : كل عبقري مجنون ، و لكن ليس كل مجنون عبقرياً !

جان بول سارتر : الفكر كعلاج
أما القطب الأساسي للفلسفة الفرنسية المعاصرة فهو دون شك جان بول سارتر . و من المعلوم أن سارتر (1905 - 1980) سيطر على كل مثقفي فرنسا طيلة ما لا يقل عن ثلاثين سنة متواصلة . فمنذ صدور كتابه الشهير «الوجود و العدم» عام 1943 حتى موته عام 1980 ، ما انفك يشغل واجهة الأحداث المحلية و العالمية . و لكن البنيوية على طريقة كلود ليفي ستروس و ميشيل فوكو و بارت و سواهم أنزلته عن عرشه و كبريائه ، بدءاً من أوائل السبعينات . فقد بدا لأول مرة قديماً بالياً في نظر الشبيبة الفرنسية التي أصبحت مسحورة بالمنهجية البنيوية و العلوم الإنسانية , و شحب بريق الوجودية عندئذ . و هذه هي حال الدنيا , يوم لك ، و يوم عليك , و لا تدوم لأحد . و لكن ينبغي أن نعود إلى الأربعينات و الخمسينات من القرن الماضي لكي نفهم عظمة سارتر ، و ندرك حجم شهرته و إبداعه و طغيانه على الساحة الثقافية ، فقد أعطى للشبيبة الفرنسية أملاً جديداً بعد أن خرجت فرنسا منهكة محطمة من الحرب العالمية الثانية . و يمكن القول إنه فعل الشيء ذاته الذي فعله أندريه بريتون بعد الحرب العالمية الأولى . ففرنسا عندئذ ، خرجت أيضاً محطمة من أكبر مجزرة في التاريخ . و كان الشباب يائساً عاجزاً عن الإيمان بأي شيء . عندئذ ، قدم له أندريه بريتون الفلسفة السريالية كحل أو كعلاج عام 1920 ، مثلما قدم له سارتر الفلسفة الوجودية كحل و علاج بعد عام 1945 . في كلتا الحالتين ، كانت الشبيبة الفرنسية بحاجة لأن ترفه عن نفسها ، لأن تنسى همومها ، لأن تؤمن بشيء ما يعصمها من الانهيار و الجنون ، بعد أن فقدت كل أمل بسبب الحرب و مآسيها و فواجعها . لم يبق بيت إلا وكان فيه فقيد أو جريح أو قتيل أو معطوب . كل فرنسا كانت مفجوعة ، و كل ألمانيا أيضاً . و لا يمكن أن نفهم سبب الانتشار السريع للسريالية بعد عام 1920 ، و الانتشار الكبير للوجودية بعد عام 1945 ، إلا إذا أخذنا هذه المعطيات الاجتماعية و السياسية بعين الاعتبار . فالأدب هو ابن عصره و ظروفه في نهاية المطاف ، و كذلك الفكر و الفن و الفلسفة . كل شيء مرتبط بالعصر و الظروف . هل يمكن أن نفهم الأدب العربي الحديث ، و كذلك الفكر العربي دون هزيمة 5 يونيو (حزيران) 1967 ؟ كل ما فعله المثقفون العرب منذ خمسين سنة كان عبارة عن رد فعل عليها . و الآن ، اسمحوا لنا أن نطرح هذا السؤال : من يستطيع أن يكتب النص العربي القادر على أن يرتفع إلى مستوى التراجيديا العربية الراهنة ؟ أين هو بريتون العربي أو سارتر العربي أو صموئيل بيكيت العربي ؟ و لكن السؤال مطروح بشكل خاطئ في الواقع , فنحن لسنا بحاجة إلى بريتون و بيكيت و كل مسرح العبث و اللامعقول . نحن بحاجة إلى فولتير العربي و ديكارت العربي و كانط العربي . نحن بحاجة إلى بول ريكور عربي يعرف كيف يصالح بين الإيمان و العقل ، أو بين الدين و الفلسفة . باختصار شديد , نحن بحاجة إلى الأنوار العربية لكي تنقذنا من جحيم الظلمات العربية , نقطة على السطر !
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الرقـابة :
المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معركة التنوير الفرنسي البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 17-12-2017 01:28 AM
الفكر القومي العربي البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 08-08-2013 02:19 PM
لماذا فشل فكر ابن رشد في السياق الإسلامي ؟ البرواز و الصورة المنتدى الثقافي 0 22-07-2013 01:28 PM


الساعة الآن 08:48 PM