العودة   منتديات القطرية > ๑۩۞۩๑ المنتديات الفرعية ๑۩۞۩๑ > المنتدى العام
الإهداءات
البرواز و الصورة من الفوز بكاس اسياء : الف مبروك للمنتخب القطري الفوز بكاس اسياء للمرة الثانية على التوالي بعد فوزه بالبطولة الماضية عام 2019

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-05-2013 , 11:52 AM   مشاركة رقم 1
إداري
 
الصورة الرمزية البرواز و الصورة
تاريخ التسجيل : Nov 2012
رقم العضوية : 2
المشاركات : 5,330
أخر زيارة : اليوم 04:05 PM
الدولة : قطر


بيانات إضافية

الجنس : ذكر

الحالة : البرواز و الصورة متواجد حالياً

افتراضي ثمار ناضجة على الأشجار ونفوس معطوبة في الحقل



علي سالم

الخبر نشرته جريدة «الأهرام» شبه الرسمية (الأحد 5 مايو/ أيار 2013) تحت عنوان «50 ألف عامل أجنبي يخترقون المزارع المصرية» ، ثم عناوين فرعية منها «90% من العمالة الأجنبية تفتقد الخبرة وأهم ميزاتها الطاعة والإنجاز في العمل» ، وفي تفاصيل الخبر «وتلجأ العديد من الشركات الزراعية حاليا إلى العمالة الأجنبية التي ينتمي منها 80% إلى دول بنغلاديش والصين وإثيوبيا بسبب قلة رواتبها (ألف جنيه في الشهر) بخلاف إقامتها الدائمة بالمزرعة إلى جانب تفانيها الشديد في العمل ، حيث تماثل إنتاجيتها 3 أضعاف إنتاجية العمالة المصرية . ويتركز عمل الأجانب في مصر بمحطات التصدير على عمليات الفرز والجودة والتعبئة ، إلى جانب الحاجة إليهم في مواسم الثمار التي تحتاج إلى دقة متناهية للحفاظ على الثمار». انتهى الخبر.

هناك مستويات عدّة لقراءة هذا الخبر ؛ المستوى الأول هو قراءة الصباح السريعة ، وهي وافية على كل حال ، أما المستوى الثاني والأكثر أهمية ، فهو قراءة تحليلية لمفردات الخبر للتعرف على آليات التفكير عند كاتبه بوصفه معبرا عما هو شائع في سوق الأفكار المصرية هذه الأيام . ولعل أول كلمة سنتوقف عندها هي كلمة «يخترقون» ، في وصفه للعمالة الأجنبية ؛ هم لا يعملون في هذه المزارع ، بل يخترقونها ، هذا هو بالضبط ما نراه جميعا في أي أجنبي نحن في حاجة إليه ، لم يأتِ ليعمل عندنا ، أو ليساعدنا في أمر من الأمور ، بل أتى لاختراقنا.

لقد اكتفى الخبر بذكر الاختراق وترك لقرائه استنتاج الباقي ، في أقل القليل ، هؤلاء الغزاة الأجانب المخترقون ، سيتعرفون على أهم أسرار الفاكهة المصرية وبقية أنواع الخضراوات المصدرة . غير أن كاتب الخبر على الرغم من حرصه على إرضاء العواطف السائدة المعادية لشركات القطاع الخاص واقتصاد السوق بوجه عام ، فإن مهنيته ورغبته في الإنصاف يبدو أنهما تغلبتا عليه ؛ فقد بدأ بوصفه للعمالة الأجنبية بأنها تفتقد الخبرة ، غير أنه أردف على الفور بأن من أهم ميزاتها «الطاعة والإنجاز». الواقع أن كلمة الطاعة خارجة عن قاموس العمل ، هناك فقط الالتزام بقواعد العمل ، المهم هو الكلمة الثانية ، وهي الإنجاز ، هؤلاء عمال جاءوا من على بعد آلاف الأميال إلى الحقول المصرية ليقوموا بالعمل الذي فشلت فيه العمالة الزراعية المصرية .. جاءوا بأديانهم السماوية والأرضية لنتعلم منهم «تفانيهم الشديد في العمل» ، فلا نامت أعين العاجزين عن رؤية ذلك.

جني الثمار كان أولى مراحل تطور الإنسان الأول ، وأنا أومن بما قاله الأستاذ «يونغ» من أن الجماعة الإنسانية لها «لاوعي جمعي» مسجل عليه كل ما مر بالإنسان من مراحل ، وكل مرحلة تختفي في أعماقه ، غير أنها تظل موجودة تتحكم في سلوكه طول الوقت . أنا أريدك أن تفكر في مهنتك ، وفي كل المهن الأخرى ؛ أليست هي بالضبط ما ذكره الخبر ، وهي «الفرز والجودة والتعبئة» ؛ أليس هذا بالضبط ما نفعله أو يجب أن نفعله جميعا ؟ كل منا في كل مهنة وأي مهنة يلتقط الثمار من خارجه أو من داخله ويقوم بفرزها ويتأكد من جودتها ، ثم يقوم بتقديمها إلى الآخرين . هذا هو ما يجعل الخبر مخيفا بالنسبة لي مع أني أتمتع بقدر من البلادة لا بأس به . هو خبر يتعدى الحقول والثمار والتصدير والعمالة ، ويشير في رمزية واضحة إلى حقيقة فكرة العمل بوجه عام عند المصريين في هذه المرحلة من التاريخ على الأقل.

التفاني ، القدرة على الفرز بما تتطلبه من عقلية نقدية في أبسط الحدود ، ثم إدراك الجودة التي تتطلب إحساسا بالجمال ، كل هذه العناصر هي ما نفتقر إليه الآن ، وهو ما ألجأنا للاستعانة بهؤلاء العمال «عديمي الخبرة» عديمي الخبرة بماذا ؟ بالبلطجة .. بتعطيل مصالحهم ومصالح الناس ؟ بعشق البطالة والتنطع ؟ بالصياح بالكلمات التي لا معنى لها ؟ كل أنواع الأفكار الغبية لا تشعرني بالخوف ، فالواقع قادر دائما على دفع الناس للتفكير في ما هو صحيح بعد اكتشاف ما هو خاطئ ، أما ما أشعر بالخوف منه والعجز عن التعامل معه فهو العطب النفسي ، ذلك العوار الذي يصيب الإنسان في أعمق أعماقه فيفقده عاطفة اعتبار الذات واحترام النفس ، عندها تتحول الحياة إلى عبء عليه ، ويتحول هو إلى عبء على الآخرين . اقرأ الخبر مرة أخرى ، وحاول التعرف على رمزيته ، ستكتشف بسهولة أنه لا يتكلم فقط عن الحقول والثمار والتصدير ، بل يتكلم عن باقي أنواع النشاط على أرض الوادي ، الفرز.. الجودة.. التعبئة.

الفرز بمعناه الكبير هو القدرة على معرفة الفرق بين الوزير والخفير والمدير ورئيس التحرير ، والتعرف على ما هو جيد يحتم أن تعرف ما هو الرديء ، أما التعبئة فهي الكيفية التي ستقوم فيها بتصدير قرارك أو فعلك إلى الآخرين ، داخل البلاد أو خارجها ، بحيث لا يردون لك سلعتك ، أو لا يأخذونك على محمل الجد.
وإذا كنت أكتفي بتشخيص المرض ، فأرجوك لا تتصور للحظة أنني خبير بالعلاج المطلوب ، هذا أمر يفوق قدراتي كفرد أو ككاتب . غير أني كأي مواطن وكل مواطن أستطيع أن أقول لك : «السلّم يكنس من أعلى»، بمعنى أدق : يتم تنظيفه من أعلى . لا بد من صفوة مثقفة ربما نصل إليها أو تصل إلينا بالصدفة , تحارب من أجل الأفكار الصحيحة . صفوة لا تعمل على كسب عواطف الشارع على حساب الحقيقة،

صفوة تقول للناس : أيها السادة يا من تصلّون وتصومون من أجل أن نتمكن من تصدير سلعة ما ، نصارحكم بأنكم عاجزون عن العمل بما يرضي الله ، أنتم تطلبون حدا أدنى للأجور ، ولا تفكرون في تقديم حد أدنى للعمل . أيها السادة ، أنتم تكرهون العمل ، ولا تشعرون بالغيرة من كل سكان الأرض الذين يعملون ليل نهار ، وتطلبون الحرية بغير أن يعرف أحد ماذا تنوون أن تفعلوا بها . غيركم يحب الحرية وعلى استعداد لأن يموت دفاعا عنها ، ولكنكم تحاربون من أجل الحصول على علاوة مقابل عمل لا تقومون به على الوجه الأكمل أو الأنقص ، وحتى عندما تحصلون على علاوة كل شهر ، فستكتشفون بعد قليل أنكم في حاجة إلى علاوة في كل يوم ، لأنكم لا تقدمون مقابلا لأي علاوة ، ولأن كل علاوة سترفع الأسعار تلقائيا في غياب إنتاج حقيقي.

وأنتم تطالبون بمحاسبة كل إنسان على جرائمه أو ما ترون أنها جرائمه ، ولكن لا أحد فيكم سمعنا صوته يطالب بمحاسبة أحد بتهمة الكذب ، لذلك يكذب السياسيون عليكم في كل لحظة ، لأنهم على يقين من أن الكذب ليس مؤثما عندكم . أيها السادة ، الثمار ناضجة فوق الأشجار في طول مصر وعرضها ، ولكنكم عاجزون عن قطفها ، لأن ذلك يكلفكم جهدا أنتم لستم على استعداد لبذله . حاسبكم الله على ما تفعلونه بمصر وبأنفسكم.

*نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية


تعليق : مقال في منتهى الروعة انصح بقراءتة , لان فية قدرة على التحليل و الاستنتاج مش عادية و تدل على صفاء ذهن الكاتب و رقي تفكيرة . إذا استوعبت الفكرة و عملت بها سوف تكون في نفس المستوى من الرقي و السمو الحضاري الذي يميز المتحضر من المتخلف فكريا".

 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الرقـابة :

الساعة الآن 05:36 PM