صالح القلاب
أغلب الظن أن لا خلاف على أن هذه «اللحظة التاريخية» المريضة فعلا لم تمر بها الأمة العربية إلا عندما ألغت دورها و أيضا وجودها السلطنة العثمانية على مدى أكثر من 4 قرون متلاحقة ، و قبل ذلك عندما تحولت الخلافة العباسية إلى مجرد قصور فارهة تعج بـ«الحريم» و الشعراء و المرتزقة ، و إلى خلفاء لا حول لهم و لا قوة وصل بهم الضعف و وصلت بهم الدونية إلى حد أن ضباطهم كانوا لا يتورعون عن فقء عيونهم و حلق ذقونهم و إلقائهم في السجون إلى جانب المجرمين و السراق و شذاذ الآفاق الذين كان يؤتى بهم من كل حدب وصوب . حتى في فترة الاستعمار الغربي التي استمرت فعليا حتى عام 1967 فإن حال العرب كأمة لم تكن كهذه الحال المأساوية التي تمر بها الآن ، و التي إن لم يتحول كل هذا الذي يجري فيها إلى ربيع فعلي مزهر فإن القادم سيكون أعظم ، و إن هذه الدول التي ترفع أعلاما زاهية و تعزف أناشيد وطنية تشنف الآذان سوف تتضاعف عشرات المرات و سوف تلد كل واحدة منها الكثير من الدويلات المذهبية و الطائفية و العرقية «الميكروسكوبية» و على غرار ما كانت عليه دويلات الطوائف الأندلسية التي كانت أفرزتها لحظة تاريخية مريضة بعد انهيار الدولة الأموية العظيمة . و المشكلة التي يواجهها العرب الآن هي أن إيران التي من المفترض أنها «شقيقة» و يربطها بالأمة العربية تاريخ طويل و مصالح مشتركة تستهدفهم وجودا و دورا و مكانة ، وتكرههم و تزدريهم كأمة و هذا لا يقتصر على الاستهداف السياسي الذي زادته ثورة عام 1979 الثورة الخمينية وطأة و قسوة و إنما يتعداه إلى الاحتقار الثقافي .. نعم إلى الاحتقار الثقافي الذي تطفح به الصحف و الكتب و المنشورات الإيرانية ، و الذي يشارك فيه كتاب و شعراء مشهورون و معروفون من غير الجائز أن يصلوا إلى كل هذا المستوى من الانحطاط الأخلاقي و النزعة العنصرية التي تجاوزت كل الحدود . ربما لا يعرف كثيرون أن عقدة العقد في هذه المفاوضات «الماراثونية» التي تجريها إيران مع الاتحاد الأوروبي و مع الولايات المتحدة هي أن الإيرانيين يطالبون بإطلاق أيديهم في هذه المنطقة و على أساس أن العرب بكل دولهم هامشيون و أنهم أمة زائدة لا يستطيعون الدفاع لا عن أنفسهم و لا عن حلفائهم ، و أن مكانتهم في الحاضر كما هي في الماضي مجرد مكانة وهمية ، و أنه لا يعتمد عليهم ، و لذلك فإنه كما يقول الإيرانيون إذا أراد الغرب ضمان استقرار هذه المنطقة و ضمان أمن فعلي لإسرائيل و أيضا ضمان مصالحه فإن عليه أن يضع يده في يد «جمهورية إيران الإسلامية» الدولة ذات العمق الحضاري الذي يعود لألوف السنين الذي يتمثل في «إنجازات» الفرس الكونية «العظيمة»! إن هذا هو ما تصر عليه إيران في مفاوضاتها مع الأميركيين و الأوروبيين التي عنوانها «القدرات النووية الإيرانية و حقيقتها» هذه الحقيقة المرة ، فالإيرانيون يقدمون أنفسهم لمفاوضيهم هؤلاء و هذا معلن و قاله عدد من المسؤولين الإيرانيين على أساس أن 4 عواصم عربية هي بغداد و دمشق و بيروت و صنعاء باتت تدور في فلك طهران ، و على أساس أن القرار في العراق و في سوريا هو قرار الولي الفقيه ، و على أساس أن حدود دولتهم : «جمهورية إيران الإسلامية» قد وصلت إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني و عبر دويلة «حماس» في غزة ، و قبل هذا كله عبر دولة بشار الأسد ، و أيضا على أساس أنهم أي الإيرانيين بعد التحكم في «مضيق هرمز» غدوا يتحكمون في «باب المندب» و أنه قد يأتي و قريبا ذلك اليوم كما يقولون الذي سيتحكمون فيه بقناة السويس إذا استطاع الإخوان المسلمون العودة لحكمهم في مصر . و هم في حقيقة الأمر لن يستعيدوه ما دام أن الحكم الحالي بكل هذه القوة و ما دام أن الشعب المصري قد جربهم و من غير الممكن أن يجربهم مرة ثانية . ثم و ربما أن البعض ، بعض العرب ، لا يعرف أن إيران كانت رفعت في عام 1993 شعار «لقاء الحضارات الأساسية» في هذه المنطقة امتدادا إلى الشرق الأقصى ، أي الحضارة الفارسية و الحضارة الأردية (الهندية والباكستانية) و الحضارة الصينية ، و أنها إيران كانت قد أرسلت وفدا إلى نيودلهي و بكين و كراتشي للتبشير بهذه الفكرة التي أحبطها في حقيقة الأمر الباكستانيون الذين أصروا على أن هناك حضارة إسلامية و أنه لا يجوز تجاوز العرب الذين هم مكون رئيسي في هذه الحضارة الإسلامية .
إن هذه مسألة و أما المسألة الخطيرة الأخرى فهي أن «إيران الثورة» فعلت ما لم يفكر فيه حتى شاه إيران (الراحل) محمد رضا بهلوي لا من قريب و لا من بعيد و هو السعي الدؤوب و اتباع كل الأساليب لانتزاع العروبة من قلوب الشيعة العرب و تحويلهم إلى مجرد جاليات فارسية في دولهم و دول آبائهم و أجدادهم . و حقيقة إن هذا الذي نراه الآن في العراق و في سوريا و في لبنان و في اليمن و حيث يوجد أتباع المذهب الشيعي الشريف الذي كان يعتبر المذهب الإسلامي الخامس بعد مذاهب المالكية و الحنفية و الحنابلة و الشافعية يؤكد أن الإيرانيين و المقصود هنا هو النظام و ليس الشعب الإيراني الشقيق ماضون في مخططهم هذا الذي لم يعد خافيا إلا على من لا يريد أن يعترف بهذه الحقيقة المرة . لقد نقل عن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي قوله قبل إزاحته عن موقعه السابق بأيام أن هدفه هو تدمير الجامعة العربية و لقد سمعنا حتى من هذا الرجل الطيب حيدر العبادي الذي بالإمكان مواصلة الرهان عليه و الرهان قبل ذلك على آية الله العظمى علي السيستاني أنه يرفض مشاركة أي طيران حربي عربي في الدور الذي يلعبه سلاح جو «التحالف» و في مقدمته سلاح الجو الأميركي في الأجواء العراقية ، و هذا يدل على أن القرار العراقي لا يزال قرارا إيرانيا و على غرار ما هو عليه الوضع في سوريا و في اليمن .. و في لبنان أيضا إن أردتم . إنه لا جدال إطلاقا في أن الإيرانيين قد حققوا في السنوات الأخيرة اختراقا استراتيجيا كبيرا في منطقتنا العربية و أنهم بالإضافة إلى كل ما فعلوه عسكريا و سياسيا و استخباريا و بالإضافة إلى السعي الدؤوب لتحويل الشيعة العرب بصورة عامة إلى جاليات فارسية ، قد تمكنوا أيضا من احتواء و بالترغيب و الترهيب مذاهب لا علاقة لها تاريخيا بالمذهب الجعفري الاثني عشري مثل «العلويين» في سوريا و في تركيا ، و«الإسماعيليين» السوريين و «الزيديين» اليمنيين و هذا في حقيقة الأمر يعتبر أيضا اختراقا كبيرا للعرب و الأمة العربية . إن هذا هو واقع الحال و هو واقع مؤلم و خطير و لذلك فإن كل هذا الاستهداف للعرب , أمة ، و دورا تاريخيا ، و مكانة في هذه المنطقة و حضارة ، و حيث يقال و هذا ليس مؤكدا أن «صديقنا العزيز» رجب طيب إردوغان يشارك فيه و لكن ليس بالمستوى المكشوف الذي وصل إليه الإيرانيون يفرض على كل من لديهم وجدان عربي حي و غيور أن يتحركوا بسرعة قبل خراب البصرة كما يقال لتدارك الأمور و وضع حد لكل هذا الذي يجري الذي إن هو استمر فإنه سيعني الطامة الكبرى ، و أنه سيعني تحول هذا القرن الحادي و العشرين كله إلى لحظة عربية مريضة .. إن المطلوب هو التكاتف الجدي للتخلص من هذا النظام الذي تحكم إيران باسمه في سوريا و هو إعادة التوازن الإيجابي إلى العراق و بسرعة ، و هو تقزيم دور «حزب الله» في لبنان ، و هو التصدي لتحالف الحوثيين مع علي عبد الله صالح و الحفاظ على وحدة الشعب اليمني و وحدة اليمن التي بات يهددها خطر العودة للانقسام و «التشطير» فعلا و بصورة جدية .. إننا بتنا بحاجة إلى وقفة عربية جدية و جادة، و إننا بتنا بأمس الحاجة إلى بروز كتلة طليعية تضع هذه الأمة على بر الأمان و على طريق النهوض قبل الانهيار !
نقلاً عن الشرق الأوسط