احمد الفراج
سبق أن كتبت كثيرا و قلت إن الديمقراطية الأمريكية «منتقاة»، و هذا لا يعني بأي حال طعنا بالنظام المؤسساتي العريق للولايات المتحدة ، و الذي يعتبر نبراسا في هذا الخصوص ، فقد كتب دستورها ما اصطلح على تسميتهم بالآباء المؤسسين و هم مجموعة من الساسة المفكرين ، و يأتي على رأسهم جورج واشنطن ، و توماس جيفرسون ، و جون آدمز ، و هؤلاء كانوا زعماء الثورة على الاحتلال الإنجليزي ، و مع أنهم كانوا إقطاعيين إلا أن هذا لا يبخسهم حقهم كساسة من طراز فريد ، أسسوا ما أصبحت أكبر و أعظم قوة عالمية حتى اليوم ، و كتبوا دستورا فريدا لا يزال خالدا و كأنه كتب بالأمس ، فلم القول - إذا - أنها ديمقراطية منتقاة؟!. إن رئاسة هذه الإمبراطورية الفريدة لا يمكن - عمليا - الوصول إليها خارج إطار الحزبين الرئيسيين الجمهوري و الديمقراطي ، و لنا في السياسي البارز من أصل عربي السيد رالف نادر مثال حي بهذا الخصوص ، و ربما أنه يخفي على كثيرين منكم أن المرشحين لرئاسة أمريكا في الانتخابات الماضية كانوا بالمئات يمثلون أحزابا مختلفة ، و لكنكم بالتأكيد لم تسمعوا إلا عن مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون و مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب ، و هذه حكاية أخرى من حكايات الديمقراطية الأمريكية و تغطية الإعلام الحر لها ، و هو ما يحتاج إلى مقالات عديدة لبيانه و التفصيل فيه . و للاختصار غير المخل فإن ما يجري في أمريكا هو أن الحزبين الرئيسيين يقدمان مجموعة من المرشحين ، ثم يتنافس هؤلاء فيما بينهم لاختيار المرشح الرئيسي للحزب ، و هذا يعني أن المواطن الأمريكي لا ينتخب من يريد و لكنه ينتخب أفضل الموجودين من الخيارات المتاحة ، و الحقيقة أن هناك ملايين من الشعب الأمريكي لم يكونوا مقتنعين بأي من المرشحين للرئاسة في الانتخابات الماضية (هيلاري وترمب)، و قس على ذلك كل الانتخابات الماضية على مدى أكثر من قرنين من الزمان ، و هذه الحقيقة يعلمها كل مواطن أمريكي . النقطة الهامة هنا هي أن المرشح الذي يفوز بأغلبية أصوات ولاية ما يفوز بكل أصوات المندوبين لتلك الولاية ، ما يعني أنه من الممكن أن يفوز برئاسة أمريكا مرشح لم يحصل على أغلبية أصوات الناخبين كما حصل في الإنتخابات الماضية , عندما فاز ترمب بالرئاسة على الرغم من أن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون كانت هي الفائز الحقيقي بأغلبية أصوات الشعب الأمريكي ، إضافة إلى ذلك فإن من يحسم الفوز بالرئاسة فعليا هي أصوات المجمع الانتخابي لا أصوات عامة الناس و عدد هؤلاء حاليا 538 شخصا فقط ، و هم يصوتون بعد انتهاء الانتخابات العامة بحوالي شهر و نصف ، و مع أنهم دوما يصوتون حسب نتائج الانتخابات العامة إلا أن بإمكانهم - عمليا و قانونيا - القيام بانقلاب ناعم و التصويت لصالح من يريدون ، و كمثال على ذلك فإنه كان بإمكان أعضاء المجمع الانتخابي للانتخابات الماضية أن يصوتوا لهيلاري كلينتون بدلا من ترمب ، و مع أن مثل هذا لم يحصل طوال التاريخ الأمريكي إلا أنه ليس هناك – قانونيا – ما يمنع حدوثه ، فهل يا ترى رتب الآباء المؤسسون لأمريكا مثل هذه الثغرة التي تتيح إمكانية الانقلاب الناعم ، تحسبا لما هو غير متوقع في يوم من الأيام؟!، و هل يا ترى يصح أن نقول إن الديمقراطية الأمريكية منتقاة؟!.
تعليق : معلومات مهمة إذا كنت مهتم بالاطلاع على الديموقراطية الامريكية و كيف تدار من الداخل ؟