مشاري الذايدي
لمزيد من الفهم لا بد من المرور و لو لماما على الخلفية الفكرية السياسية للرئيس «الإمبراطور» الروسي فلاديمير بوتين . بعد «التدخل» الروسي في سوريا تغيرت الأمور على الأرض و في الجو .. اقتحم بوتين سوريا بهواجس القياصرة الروس منذ فلاديمير الرهيب و بطرس الكبير و نيكولا الأول .. هواجس يعرف قراء التاريخ عنها الحماسة المسيحية الشرقية التي قوامها الكنيسة الأرثوذكسية و القومية السلافية . هذا المشرق من القسطنطينية حتى القدس يمثل لهذه «الروح» الروسية القيصرية المسيحية حالة خاصة و مشكلة معقدة ، و لم تكن حرب القرم الشهيرة مع العثمانيين (1853) بجانب منها إلا بسبب الغضب الروسي من عدم منح العثمانيين لهم امتيازات خاصة في المقدسات المسيحية بفلسطين . نعم ، الهاجس الديني و القومي ليس كل شيء لكنه قابع بخلجات النفوس و خلفيات الفعل الروسي اليوم بسوريا و غيرها . صحيح أن هناك دوافع تتعلق بالانتقام من أميركا و الناتو و استعادة الكرامة الروسية الجريحة حسب تصور قادة الروس ، و هناك أيضًا دوافع تتعلق بالنفوذ الاقتصادي و الوصول للبحر الأبيض و بحار الشرق الأوسط كلها . هذا معلوم لكن يجب التنبه لخطورة الدوافع التاريخية بتحركات الرئيس الروسي الحالي خصوصا أن بوتين لا يخفي ملامح الوجه المنقوع في تاريخ الحروب الدينية و القومية . بوتين قال أمام وفد الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية مؤخرا إنه «يجب إعادة القسطنطينية للمسيحيين كما أراد القيصر نيكولا الثاني». أثناء الحروب الروسية - العثمانية كانت أطماع قياصرة دولة «المسقوف» كما كان يسميها العرب واضحة في تأكيد دور القيادة المسيحية و استئناف الحروب الصليبية لتحرير الأرض المقدسة ، بعدما تخلت أوروبا الكاثوليكية بقيادة العاصمة الغربية للمسيحية فاتيكان روما عن هذا الواجب ، فكان لا بد من تحرير العاصمة الشرقية للمسيحية القسطنطينية وصولا لمهد السيد المسيح . لذلك تحالفت فرنسا و بريطانيا مع العثمانيين لصد الخطر الروسي و كانت معاهدة إستانبول (1856) مع العثمانيين لهذا الهدف . بوتين فيما يفعله بحلب الجريحة اليوم و في خدعه التي يقوم بها لافروف في جنيف من «1» لـ«3»، يقاتل و في ذهنه صور من هذا التاريخ المأزوم . العام الماضي بارك بوتين إطلاق فضائية روسية أرثوذكسية باسم «ستاري غراد تي في» و هو اسم كما تقول صحيفة «الحياة» مستوحى من التسمية الروسية «كوستانتيبول» أي القسطنطينية (إسطنبول) . و بطريرك الكنيسة الروسي (كيريل) وصف بوتين بأنه «معجزة الرب» الذي تمكن من انتشال روسيا . كل هذا يجري و الرئيس أوباما يقضي أيامه الأخيرة في حفلة «جاز» في حديقة البيت الأبيض أو يمازح الصحافيين في حفلته الأخيرة لهم متكهنا بأن بلاده قد تكون اقتربت من نهايتها!