علي بن طلال الجهني
خلال سنوات الحرب الكونية الثانية كتب رجل يدعى إريك هوفر في أوقات فراغه في المساء بعد أن يقضي يومه في تفريغ و تحميل السفن من رصيف ميناء سان فرانسيسكو كتاباً بعنوان «المؤمن الصادق». و بعد أن أصبح الإرهاب طاعوناً عالمياً في أواخر التسعينات من القرن الماضي و في أوائل هذا القرن اقتنع المفكر السعودي العملاق الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) بأهمية ترجمة الكتاب . و كانت ترجمة المرحوم القصيبي موفقة و دقيقة و بأسلوبه الجزل المعروف . يقول القصيبي في مقدمته لترجمة كتاب «المؤمن الصادق» : «أقدمت على ترجمة هذا الكتاب إلى العربية على رغم أنه صدر في منتصف القرن الميلادي الماضي و على رغم أنه لم يحظ بقدر كبير من الانتشار إلا أني وجدت فيه جواباً شافياً عن سؤال شغلني منذ أن بدأت ظاهرة الإرهاب تشغل العالم و هو : لماذا يصبح الإرهابي إرهابياً؟». رجعت إلى عدد من المصادر و بحثت الأمر مع عدد من الخبراء و اتضح لي أنه - على رغم وجود كم هائل من المعلومات عن الإرهاب ، تنظيماته و قادته و أساليبه و أدبياته و تمويله - لا توجد كتابات تضيء عقل الإرهابي من الداخل و تتيح لنا فرصة التعرف على هذا العالم العجيب المخيف . و يفرق الكاتب بين الفرد الإرهابي و قائد التنظيم الإرهابي الذي يجند و يختلق الشعارات ، و يوظف الإرهاب لتحقيق غاية سياسية . فالفرد الإرهابي لا بد من أن يكون إنساناً فاشلاً على الأقل في نظره هو أو هي . و «من المفهوم أن الفاشلين ينزعون إلى تحميل العالم جريرة فشلهم» كما قال هوفر . يقول المؤلف في الصفحات 43 و 44 : «تستطيع المنظمة الإرهابية أن تجذب أتباعاً و تحتفظ بهم لا لأنها تلبي الحاجة إلى تطوير الذات و لكن لأنها تلبي الشوق إلى الخلاص من الذات». يصعب على الذين يعتقدون بأن حياتهم فسدت تماماً أن يستهويهم تطوير أنفسهم : مهما كان احتمال حصولهم على فرص أفضل فإن هذا لا يحفزهم إلى بذل جهود خارقة ، و لا يدفعهم إلى الولاء الأعمى . يعد هؤلاء المصلحة الفردية شيئاً مشبوهاً شريراً لا يتسم بالنزاهة و لا يمكن أن يجلب الحظ . و كل ما يبذل لتطوير الذات يبدو في نظر هؤلاء عملاً محكوماً عليه بالفشل : لا شيء ينطلق من النفس (التي يكرهونها) يمكن أن يكون جيداً و نبيلاً . و السؤال : هل سيتحول كل محبط كاره لنفسه التي يرى أنها فسدت و تعذر إصلاحها إلى شخص إرهابي ؟ بالطبع لا ، و العالم خلال تاريخه المسجل و الذي يمتد إلى آلاف السنين مملوء بالمحبطين الذين لم يتحولوا إلى إرهابيين ، فالإحباط شرط ضروري ليتحول الإنسان المحبط النافر من ذاته إلى مجرم إرهابي و لكن كره النفس بحد ذاته لا يكفي فلا بد من وجود تنظيم و قائد يحول طاقة الكراهية الضخمة إلى أداة للترويع و القتل ، فالتنظيم هو الذي يخلق شعار و لواء من ينضمون إليه و يصهرون أنفسهم فيه ، و التنظيم هو الذي يختلق عدواً أو شيطاناً يجب قتله . و في يومنا هذا وجدت منظمات الإرهاب السنية ضالتها منذ أيام «القاعدة» بشعار «إخراج الكفار من الجزيرة العربية» أولاً ، ثم بشعار «محاربة الأميركان» في العراق في ما بعد و بذلك حصلت على الدعم و المساعدة من النظامين الحاكمين في إيران و سورية لتوظيف الإرهاب السني لأغراضهما السياسية . و من أهم أسباب نجاح المنظمات الإرهابية السنية في العراق ليس فقط ما لقيته من دعم في بداية تكوينها من النظامين الإيراني و السوري و إنما أيضاً بسبب وقاحة حكومة نوري المالكي التي أقصت قادة السنة و اضطهدتهم فخلقت بيئة خصبة لاجتذاب كثيرين من محبطي السنة من كل بقاع المعمورة . فصار من السهل على المنظمات الإرهابية السنية أن تختلق شعاراً جديداً و عدواً جديداً و هو قتل و ترويع الجميع من سنة و شيعة باسم محاربة الميليشيات الإرهابية الشيعية . و بعد أن غيرت المنظمات الإرهابية السنية شعارها من محاربة الأميركان إلى محاربة الميليشيات الشيعية فإن هذا بدوره سهل و يسر تجنيد إرهابيين شيعة تحت شعار محاربة التكفيريين السنة . و لكن ما ذنب المدنيين المسالمين السنة في العراق و في سورية ؟ و ما ذنب المدنيين المسالمين الأبرياء من الشيعة في كل مكان كما حدث للشيعة السعوديين في الأسابيع الأخيرة . «إن براعة الشخص الذي يعرف كيف يبدأ (تنظيماً إرهابياً) أو كيف يبقيه تتجلى في معرفة كيف يختار العدو الملائم بقدر ما تتجلى في قدرته على اختيار العقيدة الملائمة و وضع برامج لتنفيذها» كما قال مؤلف «المؤمن الصادق» في الصفحة 192. و يضرب هوفر مثلاً بهتلر الذي استغل الكراهية الجماعية لليهود ثم الكراهية الجماعية للشيوعيين . و ختاماً فإن حبل الإرهاب كحبل الكذب قصير . و في المملكة العربية السعودية التي حققت قواتها الأمنية نجاحاً مميزاً في محاربة الإرهاب بقيادة ولي العهد الذي أدرك فكرياً و نفذ على أرض الواقع أهمية استصلاح من أمكن استصلاحه ، و أهمية تعاون ذوي الإرهابيين خصوصاً و المواطنين كافة من جميع مكونات وطن الجميع مع منسوبي القوات الأمنية .
تعليق : من اروع ما قريت عن سبب انضمام الشباب للمنظمات الإرهابية الجملة التالية : « تستطيع المنظمة الإرهابية أن تجذب أتباعاً و تحتفظ بهم لا لأنها تلبي الحاجة إلى تطوير الذات و لكن لأنها تلبي الشوق إلى الخلاص من الذات » . ما اعمق هذة الفكرة في شرح نفسية الإرهابي .