بدرية البشر
يدخل المقهى رجل من ويلز بكرشه الكبيرة وقبعته الخوص ووجهه الأحمر، ثم يجلس حيث يتسنى له لقاء رفاق من بلاد مختلفة، وبعد أن يمر وقت طويل يلتفت إليَّ وأنا منهمكة في الكتابة ويسألني: «كيف هو العالم، هل من مشكلات؟» هذه المرة أخبرته أن هناك بعضاً منها في بوسطن، فردَّ عليَّ متعجباً: «إنها مكان بعيد جداً»، لكنني قلت: «ليست بعيدة جداً، فلدينا 150 ألف طالب سعودي مبتعث في الغرب، وبعضهم شارف على التخرج، وبعضهم في منتصف الطريق، وبعضهم لا يزال في أوله، وحين تثور حادثة مثل هذه يتورط فيها رجل مسلم فإن هذا يهدد أبناءنا هناك، قد تتعثر تأشيرات دخولهم التي قد تحتاج للتجديد، وسيخضعون للمراقبة وللشك، هناك من سيدفع الثمن تماماً مثلما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعلى رغم الأعوام التي مرت، وعلى رغم أن من مات في 11 سبتمبر ثلاثة آلاف، ومن مات في بوسطن ثلاثة، إلا أن حادثة مثل هذه قادرة على بعث الذكريات نفسها والشكوك.
هناك من الطرفين من يريد أن يحتفل بقصص الكراهية والانتقام، لا يعجبه إلا هذه القصص. لكن محدثي من ويلز يرى الأمور بطريقة مختلفة، فهو يرى أن أميركا مسؤولة عن كل هذا العنف، فهي التي تبيع السلاح في البقالات من دون قيد أو شرط، وهي التي تملأ «هوليوود» بأفلام جيمس بوند الأنيقة، وتعلي من قيمة القاتل والمنتصر من دون أن تشوّه صورته حتى لو بنقطة دم كي لا يفقد الإعجاب.
سهل على رجل من ويلز تجاوزت بلاده عصر الاستعمار أن يحاكم أميركا التي تتورط اليوم بالعنف، لكنني أيضاً ضد أن نهاجم الآخر ونفتّش عن حجم مسؤوليته في مقابل تراجع الحس النقدي الذاتي، ما هي مسؤوليتنا نحن؟ ما الذي يجعل من ثقافتنا ثقافة تحرّض على قتل المختلف أو تجريمه أو تكفيره إن اختلف عنا؟ في أحد المشاهد المصورة التي تجدونها على «يوتيوب» يقول شيخ سعودي معروف «إن والداً جاءه يسأله هل يجوز أن يقتل ولده المبتعث لما يراه عليه من ضلال؟»، يأتي هذا الحديث في معرض الهجوم على برنامج الابتعاث الطلابي الذي افتتحه الملك عبدالله بن عبدالعزيز كي يطوّر الشباب والذي لم يعجب بعض المشايخ، إذ أتاح لهؤلاء الشباب أن يفروا من قبضتهم. الوالد لا يحتاج إلا إلى فتوى كي يقتل ابنه! يعني لو قال له الشيخ «إنه يجوز» لربما فعل. هكذا تجري الأمور في ثقافتنا، لهذا لا عجب أن يخرج شابان يتمشيان في الطرقات وعلى ظهر أحدهما حقيبة، ثم يضعها وسط أناس لا يعرفهم، ولم يرتكبوا في حقه أي ذنب سوى أنهم وُجِدوا معه في المكان ذاته، وبعد أن تنفجر القنبلة يعود الشابان، يحضر الصغير درسه في الكلية والآخر يحضر حفلة. ولولا انكشاف صورهما ربما عاودا الكرَّة.
كل ما تحتاج لتقتل هو فتوى تقول «إن قتلك الآخر فضيلة لا جريمة»، ومن يدفع الثمن هم هؤلاء الشباب الصغار، فيما يقبض بعض الشيوخ أثماناً يومية. إن كانت أميركا تبيع السلاح من دون شرط في البقالات فنحن أيضاً نبيع ما هو أشد وأمضى: فتاوى القتل.
* نقلا عن "الحياة" اللندنية
تعليق : مافية غير تغيير مناهج التعليم و ادخال الفلسفة و كل علم يساعد على استخدام العقل و القدرة على التحليل و النقد , لان المناهج الحالية انتجت عقلية فتاوي القتل و عقلية فكر القاعدة . بدون شك أن امريكا تقدم الحافز و التبرير بسياستها الرعناء في المنطقة لكن هذا ليس سبب ابدا" لقتل الابرياء بتفجيرات ارهابية . من يريد مواجهة امريكا فليوجة سهامة إلى جنودها و ليس المدنيين لان قتل الناس المسالمة عمل جبان و ليس لة بالدين صلة البتة .